المروءة؛ ونحن والله أعطى للآخرة منكم للدنيا، وأعطى في الحق منكم في الباطل، وأعطى على التقوى منكم على الهوى؛ والقسم بالسوية والعدل في الرعية يأتيان على المنى والأمل، ما أرضاكم منا بالكفاف، فلو رضيتم منا لم ترض أنفسنا به لكم؛ والكفاف رضا من لا حق له؛ فلا تبخلونا حتى تسألونا، ولا تلفظونا حتى تذوقونا.
أبو عثمان الحزامي قال: اجتمعت بنو هاشم عند معاوية، فأقبل عليهم فقال: يا بني هاشم، والله إن خيري لكم لممنوح، وإن بابي لكم لمفتوح؛ فلا يقطع خيري عنكم علة ولا يوصد بابي دونكم مسألة؛ ولما نظرت في أمري وأمركم رأيت أمرا مختلفا: إنكم لترون أنكم أحق بما في يدي مني، وإذا أعطيتكم عطية فيها قضاء حقكم قلتم أعطانا دون حقنا، وقصّر بنا عن قدرنا؛ فصرت كالمسلوب، والمسلوب لا حمد له؛ وهذا مع إنصاف قائلكم، وإسعاف سائلكم.
قال: فأقبل عليه ابن عباس فقال: والله ما منحتنا شيئا حتى سألناه، ولا فتحت لنا بابا حتى قرعناه؛ ولئن قطعت عنا خيرك لله أوسع منك ولئن أغلقت دوننا بابك لنكفّنّ أنفسنا عنك، وأما هذا المال فليس لك منه إلا ما لرجل من المسلمين، ولنا في كتاب الله حقان: حق في الغنيمة، «١» وحق في الفيء؛ «٢» فالغنيمة ما غلبنا عليه، والفيء ما اجتبيناه، ولولا حقنا في هذا المال لم يأتك منا زائر يحمله خف ولا حافر.
كفاك أم أزيدك؟ قال: كفاني، فإنك تهرّ ولا تنبح.
وقال معاوية يوما وعنده ابن عباس: إذا جاءت بنو هاشم بقديمها وحديثها، وجاءت بنو أمية بأحلامها وسياستها، وبنو أسد بن عبد العزى برفادتها ودياتها، وبنو عبد الدار بحجابتها ولوائها، وبنو مخزوم بأموالها وأفعالها، وبنو تيم بصدّيقها «٣» وجوادها، وبنو عدي بفاروقها «٤» ومتفكّرها، وبنو سهم بآرائها ودهائها، وبنو جمح