المدائني قال: قام عمرو بن العاص في موسم من مواسم العرب، فأطرى معاوية بن أبي سفيان وبني أميّة، وتناول بني هاشم، وذكر مشاهده بصفّين، واجتمعت قريش، فأقبل عبد الله بن عباس على عمرو، فقال.
يا عمرو، إنك بعت دينك من معاوية، وأعطيته ما بيدك، ومنّاك ما بيد غيره فكان الذي أخذ منك أكثر من الذي أعطاك، والذي أخذت منه دون الذي أعطيته، وكلّ راض بما أخذ وأعطى، فلما صارت مصر في يدك كدّرها عليك بالعدل والتنقص، وذكرت مشاهدك بصفّين، فوالله ما ثقلت علينا يومئذ وطأتك ولقد كشفت فيها عورتك، وإن كنت فيها لطويل اللسان، قصير السنان آخر الخيل إذا أقبلت، وأولها إذا أدبرت، لك يدان، يد لا تبسطها إلى خير، وأخرى لا تقبضها عن شر، ولسان غادر ذو وجهين، ووجهان وجه موحش ووجه مؤنس، ولعمري إن من باع دينه بدنيا غيره لحريّ أن يطول عليها ندمه، لك بيان وفيك خطل، «١» ولك رأي وفيك نكد، ولك قدر وفيك حسد، وأصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك.
فأجابه عمرو بن العاص: والله ما في قريش أثقل عليّ مسألة، ولا أمّر جوابا منك، ولو استطعت أن لا أجيبك لفعلت، غير أني لم أبع ديني من معاوية، ولكن بعت الله نفسي ولم أنس نصيبي من الدنيا، وأما ما أخذت من معاوية وأعطيته، فإنه لا تعلّم العوان «٢» الخمرة، وأما ما اتى إلى معاوية في مصر فإن ذلك لم يغيّرني له، وأما خفة وطأتي عليكم بصفين فلما استثقلتم حياتي، واستبطأتم وفاتي، وأما الجبن، فقد علمت فريش أني أول من يبارز، وآخر من ينازل وأما طول لساني فإني كما قال هشام بن الوليد لعثمان بن عفان رضي الله عنه:
لساني طويل فاحترس من شذاته ... عليك وسيفي من لساني أطول «٣»