جامع: أما إنهم لو أحبّوك لأطاعوك، على أنهم ما شنئوك «١» لنسبك، ولا لبلدك ولا لذات نفسك، فدع عنك ما يبعدهم منك إلى ما يقرّبهم إليك، والتمس العافية ممن دونك، تعطها ممن فوقك، وليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.
قال الحجاج: إني والله ما أرى أن أرد بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف! قال له:
أيها الأمير، إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار قال الحجاج: الخيار يومئذ لله.
قال: أجل، ولكن لا تدري لمن يجعله الله. وغضب الحجاج فقال: يا هناه، إنك من محارب. فقال جامع:
وللحرب سمّينا وكنّا محاربا ... إذا ما القنا أمسى من الطّعن أحمرا
والبيت للخضري. قال الحجاج: والله لقد هممت أن أقطع لسانك فأضرب به وجهك! قال جامع: إن صدقناك أغضبناك، وإن غششناك أغضبنا الله، فغضب الأمير أهون علينا من غضب الله! قال: أجل.
وشغل الحجاج ببعض الأمر، فانسل جامع «٢» ، فمر بين صفوف خيل الشام حتى جاوز إلى خيل أهل العراق- وكان الحجاج لا يخلطهم- فأبصر كبكبة فيها جماعة من بكر العراق، وقيس العراق، وتميم العراق، وأزد العراق؛ فلما رأوه اشرأبّوا «٣» إليه وبلغهم خروجه، فقالوا له: ما عندك؟ دافع الله لنا عن نفسك! فقال: ويحكم! عمّوه بالخلع كما يعمكم بالعداوة، ودعوا التّعادي ما عداكم، فإذا ظفرتم [به] تراجعتم وتعاقبتم. أيها التميمي، هو أعدى لك من الأزدي؛ وأيها القيسي، هو أعدى لك من التّغلبيّ؛ وليس يظفر بمن ناوأه منك إلا بمن بقي معه.
وهرب جامع من فوره ذلك إلى الشام، فاستجار بزفر بن الحارث.