للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخطب معاوية بن أبي سفيان لما ولي، فحصر «١» ، فقال: أيها الناس، إني كنت أعددت مقالا أقوم به فيكم فحجبت عنه؛ فإن الله يحول بين المرء وقلبه؛ كما قال في كتابه؛ وأنتم إلى إمام عدل، أحوج منكم إلى إمام خطيب؛ وإني آمركم بما أمر الله به ورسوله، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه ورسوله، وأستغفر الله لي ولكم.

وصعد خالد بن عبد الله القسري المنبر فأرتج عليه، فمكث مليا لا يتكلم؛ ثم تهيأ له الكلام فتكلم، فقال: أما بعد، فإن هذا الكلام يجيء أحيانا ويعزب «٢» أحيانا، فيسح عند مجيئه سيبه «٣» ، ويعزّ عند عزوبه طلبه؛ ولربما كوبر فأبى، وعولج فنأى؛ فالتأني لمجيّه، خير من التعاطي لأبيّه، وتركه عند تنكره، أفضل من طلبه عند تعذره؛ وقد يرتج على البليغ لسانه، ويخلج من الجريّ جنانه؛ وسأعود فأقول إن شاء الله.

وصعد أبو العنبس منبرا من منابر الطائف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ... فأرتج عليه، فقال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: لا. قال: فما ينفعني ما أريد أن أقول لكم؟ ثم نزل.

فلما كان في الجمعة الثانية صعد المنبر وقال: أما بعد؛ فأرتج عليه؛ فقال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: نعم. قال: فما حاجتكم إلى أن أقول لكم ما علمتم؟ ثم نزل.

فلما كانت الجمعة الثالثة قال: أما بعد؛ فأرتج عليه، قال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: بعضنا يدري، وبعضنا لا يدري. قال: فليخبر الذي يدري منكم الذي لا يدري! ثم نزل.

وأتى رجل من بني هاشم اليمامة، فلم اصعد المنبر أرتج عليه؛ فقال: حيّا الله هذه الوجوه وجعلني فداءها: قد أمرت طائفي بالليل ألا يرى أحدا إلا أتاني به؛ وإن