دخل على ابن زياد عنّفه في ذلك وقال: ويلك! أتمضي في ألفين وتنهزم عن أربعين؟
فخرج عنه وهو يقول: لأن يذمّني ابن زياد حيّا خير من أن يمدحني وأنا ميت- وفي رواية أخرى: أن يشتمني الأمير وأنا حيّ أحبّ إليّ من أن يدعو لي وأنا ميت. فقال شاعر الخوارج.
أألفا مؤمن فيما زعمتم ... ويهزمهم بآسك أربعونا
كذبتم، ليس ذلكم كذاكم ... ولكنّ الخوارج مؤمنونا
هم الفئة القليلة قد علمتم ... على الفئة الكثيرة ينصرونا
ومثل ذلك قول عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي، وكان فرّ يوم الحرّة من جيش مسلم بن عقبة، فلما كان أيام حصار الحجاج بمكة لعبد الله بن الزّبير جعل يقاتل أهل الشام ويقول:
أنا الذي فررت يوم الحرّه ... والشيخ لا يفر إلا مرّه
فاليوم أجزي فرّة بكرّه ... لا بأس بالكرّة بعد الفرّه
فلم يزل يقاتل حتى قتل.
وأحسن ما قيل في الفرار كله ما قاله قيس بن الحطيم:
إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا ... صدود الخدود وازورار المناكب
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا ... كأنّ يدي بالسيف مخراق لاعب «١»
وفرّ عتيبة بن الحارث بن هشام يوم ثبرة عن ابنه حزرة وقال:
يا حسرتي لقد لقيت حسره ... يا لتميم غشيتني عبره
نعم الفتى غادرته بثبره ... نجّيت نفسي وتركت حزره
هل يترك الحرّ الكريم بكره «٢»