ولست أجد لحسن الخط حدّا أقف عليه، أكثر من قول علي بن ربن النصراني الكاتب في الكاتب، فإني سألته واستوصفته الخط، فقال. أعلمك الخط في كلمة واحدة؟ فقلت له: تفضل بذلك. فقال: لا تكتب حرفا حتى تستفرغ مجهودك في كتابة الحرف، وتجعل في نفسك أنك لا تكتب غيره حتى تعجز عنه ثم تنتقل إلى ما بعده.
وإياك والنقط والشكل في كتابك، إلا أن تمرّ بالحرف المعضل الذي تعلم أن المكتوب إليه يعجز عن استخراجه؛ فإني سمعت سعيد بن حميد بن عبد الحميد الكاتب يقول: لأن يشكل الحرف على القارىء أحب إليّ من أن يعاب الكتاب بالشكل.
وكان المأمون يقول: إياكم والشّونيز «١» في كتبكم. يعني النقط والإعجام.
ومن ذلك: أن يصلح الكاتب آلته التي لابدّ منها، وأداته التي لا تتم صناعته إلا بها، مثل دواته، فلينعم ربّها «٢» وإصلاحها، وليتخيّر من أنابيب القصب أقله عقدا، وأكثفه لحما، وأصلبه قشرا، وأعدله استواء؛ ويجعل لقرطاسه سكينا حادّا؛ لتكون عونا له على بري أقلامه، ويبريها من ناحية نبات القصبة؛ واعلم أنّ محل القلم من الكاتب كمحل الرمح من الفارس.
قال العتابي: سألني الأصمعي يوما في دار الرشيد: أي الأنابيب للكتابة أصلح، وعليها أصبر؟ فقلت له: ما نشف بالهجير ماؤه، وستره عن تلويحه غشاؤه، من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور؛ الفضّيّة الكسور. قال: فأيّ نوع من البري أصوب وأكتب؟ فقلت: البرية المستوية القطة، التي عن يمين سنها قرنة «٣» تؤمن معها المجة عند المذة والمطة، للهواء في شقها فتيق، والريح في جوفها خريق «٤» ، والمداد في