وقد رأيتهم شبهوا المعنى الخفّي بالروح الخفي، واللفظ الظاهر بالجثمان الظاهر؛ وإذا لم ينهض بالمعنى الشريف الجزل لفظ شريف جزل، لم تكن العبارة واضحة، ولا النظام متسقا، وتضاءل المعنى الحسن تحت المعنى القبيح، كتضاءل الحسناء في الأطمار الرثة.
وإنما يدل على المعنى أربعة أصناف: لفظ، وإشارة، وعقد، وخط؛ وقد ذكر له أرسطاطاليس صنفا خامسا في كتاب المنطق، وهو الذي يسمى النّصيبة «١» ، والنّصيبة الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف الأربعة، وهي الناطقة بغير لفظ، والمشيرة إليك بغير يد؛ وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض وكل صامت وناطق. وجميع هذه الأصناف الخمسة كاشفة عن أعيان المعاني وسافرة عن وجوهها.
وأوضح هذه الدلائل وأفصح هذه الأصناف صنفان: هما القلم واللسان، وكلاهما للقلب ترجمان! فأمّا اللسان فهو الآلة التي يخرج الإنسان بها عن حدّ الاستبهام، إلى حدّ الإنسانية بالكلام؛ ولذلك قال صاحب المنطق: حدّ الإنسان، الحيّ الناطق.
وقال هشام بن عبد الملك: إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه بين الجوارح.
وقال علي بن عبيدة: إنما يبين عن الإنسان، اللسان وعن المودّة العينان.
وقال آخر: الرجل مخبوء تحت لسانه.
وقالوا: المرء بأصغريه: قلبه ولسانه.
وقال الشاعر:
وما المرء إلا الأصغران: لسانه ... ومعقوله، والجسم خلق مصوّر «٢»