وفصل: لو كانت الشكوك تختلجني في صحة مودّتك وكريم إخائك ودوام عهدك، لطال عتبي عليك، في تواتر كتبي واحتباس جواباتها عني؛ ولكن الثقة بما تقدم عندي، تعذرك وتحسن ما يقبّحه جفاؤك، والله يديم نعمته لك ولنا بك.
وفصل لابن المدبر: وصل كتابك المفتتح بالعتاب الجميل، والتقريع اللطيف؛ فلولا ما غلب عليّ من السرور بسلامتك، لتقطعت غماّ بعتابك، الذي لطف حتى كاد يخفى عن أهل الرقة والفطنة، وغلظ حتى كاد يفهمه أهل الجهل والبله؛ فلا أعدمني الله رضاك مجازيا به على ما استحقّه عتبك، فأنت ظالم فيه، فهو وليّ المخرج منه.
وقال أبو الدرداء: إعتاب الأخ خير من فقده.
وقال الشاعر:
إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب
وقال آخر في غير هذا المعنى:
إذا كنت تغضب من غير ذنب ... وتعتب في كلّ يوم عليّا
طلبت رضاك، فإن عزّني ... عددتك ميتا وإن كنت حيّا
ولا تعجبنّ بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديّا!
وفصل في عتاب: العتاب قبل العقاب؛ فليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.
وفصل: قد حميت جانب الأمل فيك، وقطعت أسباب الرجاء منك وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك؛ فإن ترغب من الآن فصفح لا تثريب معه، وإن تماديت فهجر لا وصل بعده.