كما يألم أحدكم الاضطجاع على شوك السعدان، والله لأن يقدّم أحدكم فيضرب عنقه في غير حدّ، خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، ألا وإنكم أول ضال بالناس غدا فتصدونهم عن الطريق يمينا وشمالا، يا هادي الطريق جرت، إنما هو الفجر أو البحر.
قال: فقلت له: خفّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك «١» على ما بك؛ إنما الناس في أمرك بين رجلين: إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك فهو يشير عليك برأيه، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحا مصلحا، مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا.
فقال: أجل، إني لا آسي على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن، وودت أني تركتهن، وثلاث تركتهن وودت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهن:
فأما الثلاث التي فعلتهن ووددت أني تركتهن: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء؛ وإن كانوا أغلقوه على الحرب، ووددت أني لم أكن حرّقت الفجاءة السلمى، وأني قتلته سريحا أو خليته نجيحا «٢» ، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قدفت الأمر في عنق أحد الرجلين، فكان أحدهما أميرا وكنت له وزيرا. يعني بالرجلين: عمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح.
وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني فعلتهن: فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا ضربت عنقه، فإنه يخيل إليّ أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه؛ ووددت أني يوم سيّرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة أقمت بذي القصّة «٣» ؛ فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإن انهزموا كنت بصدد لقاء أو مدد؛ ووددت أني وجهت خالد بن الوليد