فتسوّر محمد بن أبي بكر وصاحباه من دار رجل من الأنصار. ويقال: من دار عمرو ابن حزم الأنصاري، ومما يدل على ذلك قول الأحوص:
لا ترثينّ لحزميّ ظفرت به ... طرّا ولو طرح الحزمي في النار
الباخسين «١» بمروان بذي خشب ... والمدخلين على عثمان في الدار
فدخلوا عليه وليس معه إلا امرأته نائلة بنت الفرافصة؛ والمصحف في حجره، ولا يعلم أحد ممن كان معه، لأنهم كانوا على البيوت، فتقدّم إليه محمد [ابن أبي بكر] وأخذ بلحيته. فقال له عثمان: أرسل لحيتي يا بن أخي، فلو رآك أبوك لساءه مكانك! فتراخت يده عن لحيته، وغمز الرجلين فوجآه بمشاقص «٢» معهما حتى قتلاه، وخرجوا هاربين من حيث دخلوا؛ وخرجت امرأته فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل! فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مذبوحا؛ فأكبّوا عليه يبكون.
وبلغ الخبر عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة: فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا؛ فاسترجعوا؛ وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسين وضرب صدر الحسن، وشتم محمد ابن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير؛ ثم خرج عليّ وهو غضبان، يرى أن طلحة أعان عليه، فلقيه طلحة فقال: مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين؟ فقال عليك وعليهما لعنة الله! يقتل أمير المؤمنين ورجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم بدريّ ولم تقم بينة ولا حجة؟ فقال طلحة: لو دفع مروان لم يقتل. فقال: لو دفع مروان قتل قبل أن تثبت عليه حجة! وخرج عليّ فأتى منزله؛ وجاءه القوم كلهم يهرعون إليه:
أصحاب محمد وغيرهم، يقولون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فقال: ليس ذلك إلا لأهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة. فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا، فقالوا: ما نرى أحدا أولى بها منك، فمدّ يدك نبايعك. فقال: أين طلحة والزبير؟ فكانا. أول من بايعه، طلحة بلسانه، وسعد بيده.