عليه قال له: إن أباك يرى أن أحدا لا يعلم ما يعلم، ونحن أعلم بما نفعل، فكف عنا! فلم يبعث عليّ ابنه في شيء بعد ذلك.
وذكروا أن عثمان صلى العصر ثم خرج إلى عليّ يعوده في مرضه ومروان معه، فرآه ثقيلا؛ فقال: أما والله لولا ما أرى منك ما كنت أتكلم بما أريد أن أتكلم به، والله ما أدري أي يوميك أحبّ إليّ أو أبغض، أيوم حياتك أو يوم موتك! أما والله لئن بقيت لا أعدم شامتا يعدّك كنفا «١» ، ويتخذك عضدا «٢» ؛ ولئن مت لأفجعن بك؛ فحظي منك حظ الوالد المشفق من الولد العاق: إن عاش عقه، وإن مات فجعه! فليتك جعلت لنا من أمرك علما نقف عليه ونعرفه، إمّا صديق مسالم، وإمّا عدوّ معان، ولم تجعلني كالمختنق بين السماء والأرض، لا يرقى بيد، ولا يهبط برجل! أما والله لئن قتلتك لا أصيب منك خلفا، ولئن قتلتني لا تصيب مني خلفا: وما أحب أن أبقى بعدك!. قال مروان: إي والله، وأخرى، إنه لا ينال ما وراء ظهورنا حتى تكسر رماحنا وتقطع سيوفنا؛ فما خير العيش بعد هذا؟ فضرب عثمان في صدره وقال: ما يدخلك في كلامنا؟ فقال عليّ: إني والله في شغل عن جوابكما، ولكني أقول كما قال أبو يوسف فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ
«٣» .
وقال عبد الله بن العباس: أرسل إليّ عثمان فقال لي: اكفني ابن عمّك! فقلت: إن ابن عمي ليس بالرجل يرى له ولكنه يرى لنفسه، فأرسلني إليه بما أحببت. قال: قل له فليخرج إلى ماله بينبع، فلا أغتم به ولا يغتم بي فأتيت عليا فأخبرته، فقال: ما اتّخذني عثمان إلا ناصحا. ثم أنشد يقول:
فكيف به أنّي أداوي جراحه ... فيدوى فلا مل الدواء ولا الداء
أما والله إنه ليختبر القوم، فأتيت عثمان، فحدّثته الحديث كله إلا البيت الذي أنشده وقوله إنه ليختبر القوم؛ فأنشد عثمان: