قال عليّ: ويلك يا ابن الكوّاء! هل بعث عمرا غير معاوية؟ وكيف أحكمّه وحكمه على ضرب عنقي؟ إنما رضي به صاحبه كما رضيت أنت بصاحبك، وقد يجتمع المؤمن والكافر يحكمان في أمر الله؛ أرأيت لو أن رجلا مؤمنا تزوج يهودية أو نصرانية فخافا شقاق بينهما، ففزع الناس إلى كتاب الله وفي كتابه: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها
«١» ، فجاء رجل من اليهود ورجل من النصارى ورجل من المسلمين الذين يجوز لهما أن يحكما في كتاب الله، فحكما.
قال ابن الكواء: وهذه أيضا، أمهلنا حتى ننظر. فانصرف عنهم علي، فقال له صعصعة بن صوحان: يا أمير المؤمنين، ائذن لي في كلام القوم. قال: نعم ما لم تبسط يدا. قال: فنادى صعصعة ابن الكواء؛ فخرج إليه فقال: أنشدكم بالله يا معشر الخارجين، أن لا تكونوا عارا على من يغزو لغيره، وأن لا تخرجوا بأرض تسمّوا بها بعد اليوم، ولا تستعجلوا ضلال العام خشية ضلال عام قابل. فقال ابن الكواء: إنّ صاحبك لقينا بأمر قولك فيه صغير، فأمسك.
قالوا: إن عليا خرج بعد ذلك إليهم فخرج إليه ابن الكواء، فقال له علي: يا ابن الكواء إنه من أذنب في هذا الدين ذنبا يكون في الإسلام حدثا استتبناه من ذلك الذنب بعينه، وإن توبتك أن تعرف هدى ما خرجت منه، وضلال ما دخلت فيه.
قال ابن الكواء: إننا لا ننكر أنا قد فتنّا. فقال له عبد الله بن عمرو بن جرموز:
أدركنا والله هذه الآية الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ
«٢» . وكان عبد الله من قراء أهل حروراء، فرجعوا فصلوا خلف عليّ الظهر، وانصرفوا معه إلى الكوفة، ثم اختلفوا بعد ذلك في رجعتهم ولام بعضهم بعضا، فقال زيد بن عبد الله الراسي، وكان من أهل حروراء، يشككهم:
شككتم ومن أرسى ثبيرا مكانه ... ولو لم تشكّوا ما انثنيتم عن الحرب
وتحكيمكم عمرا على غير توبة ... وكان لعبد الله خطب من الخطب