إنّ الذي عاش ختّارا بذمّته ... ومات عبدا: قتيل الله بالزّاب «١»
ثم إن المختار كتب كتابا إلى ابن الزبير، وقال لرسوله: إذا جئت مكة فدفعت كتابي إلى ابن الزبير، فأت المهدي- يعني محمد بن الحنفية- فاقرأ عليه السلام، وقل له: يقول لك أبو إسحق: إني أحبك وأحب أهل بيتك! قال: فأتاه، فقال له ذلك، فقال: كذبت وكذب أبو إسحق، وكيف يحبني ويحب أهل بيتي، وهو يجلس عمر ابن سعد على وسائده وقد قتل الحسين؟ فلما قدم عليه رسوله وأخبره، قال المختار لأبي عمرو صاحب حرسه: استأجر لي نوائح يبكين الحسين على باب عمر بن سعد.
ففعل، فلما بكين قال عمر لابنه حفص: يا بني، ائت الأمير فقل له: ما بال النوائح يبكين الحسين على بابي؟ فأتاه فقال له ذلك، فقال: إنه أهل أن يبكى عليه! فقال:
أصلحك الله، انهنّ عن ذلك! قال: نعم. ثم دعا أبا عمرو صاحب حرسه، فقال له:
اذهب إلى عمر بن سعد فأتني برأسه! فأتاه فقال له: قم إليّ أبا حفص. فقام إليه وهو ملتحف بملحفة، فجلله بالسيف فقتله، وجاء برأسه إلى المختار ثم قال: ائتوني بابن عمر. فلما حضره قال: أتعرف هذا؟ قال: نعم، رحمه الله! قال: أتحب أن نلحقك به؟ قال: لا خير في العيش بعده! فأمر به فضرب عنقه.
ثم إن المختار لما قتل ابن مرجانة وعمر بن سعد، جعل يتبع قتلة الحسين بن علي ومن خذله فقتلهم أجمعين، وأمر الحسينية وهم الشيعة أن يطوفوا في أزقة المدينة بالليل ويقولوا: يا ثارات الحسين! فلما أفناهم ودانت له العراق- ولم يكن صادق النية ولا صحيح المذهب، وإنما أراد أن يستأصل الناس- فلما أدرك بغيته أظهر للناس قبح نيته، فادّعى أن جبريل ينزل عليه ويأتيه بالوحي من الله؛ وكتب إلى أهل البصرة: