سيفا قاطعا وترسا صلبا. فأعطيناه ومشى إليه، فضربه الشامي فاتّقاه بالترس وضرب رجله فقطعها، وقتله ورجع، فحملناه وكبرنا، فإذا هو عبيد الله الكابلي.
سمر المنصور ذات ليلة، فذكر خلفاء بني أمية وسيرهم، وأنهم لم يزالوا على استقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين، وكانت همتهم مع عظم شأن الملك وجلالة قدره، قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول في معاصي الله ومساخطه جهلا باستدراج الله وأمنا لمكره؛ فسلبهم الله العز ونقل عنهم النعمة. فقال له صالح ابن علي: يا أمير المؤمنين، إن عبد الله بن مروان لما دخل النوبة هاربا فيمن تبعه، سأل ملك النوبة عنهم فأخبر، فركب إلى عبد الله فكلمه بكلام عجيب في هذا النحو لا أحفظه، وأزعجه «١» عن بلده؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يدعو به من الحبس بحضرتنا في هذه الليلة ويسأله عن ذلك! فأمر المنصور بإحضاره وسأله عن القصة، فقال:
يا أمير المؤمنين، قدمنا أرض النوبة وقد خبّر الملك بأمرنا، فدخل عليّ رجل أقنى «٢» الأنف طوال حسن الوجه فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب، فقلت: ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا؟
قال: لأني ملك، ويحق على الملك أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه الله! ثم قال لأي شيء تشربون الخمر وهي محرمة عليكم؟
قلت: اجترأ على ذلك عبيدنا وغلماننا وأتباعنا، لأن الملك قد زال عنا.
قال: فلم تطئون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم؟
قلت: يفعل ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم.
قال: فلم تلبسون الديباج والحرير وتستعملون الذهب والفضة وذلك محرّم عليكم؟