له أبنية في الطريق ومعهم اللبن المسموم، فكلما مر بقوم قالوا: هل لكم في الشراب! قالوا: جزيتم خيرا! ثم بآخرين فعرضوا عليه فقال: هاتوا. فلما شرب واستقر بجوفه، قال لأصحابه: إني ميت، فانظروا من القوم! فنظروا فإذا هم قد قوّضوا «١» أبنيتهم وذهبوا، فقال: ميلوا بي إلى ابن عمي وما أحسبني أدركه! فأسرعوا حتى أتوا الحميمة «٢» من أرض الشراة، وبها محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فنزل بها، فقال: يا بن عمي، إني ميت؛ وقد صرت إليك؛ وأنت صاحب هذا الأمر، وولدك القائم به، ثم أخوه من بعده، والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى تخرج الرايات السود من قعر خراسان، ثم ليغلبنّ على ما بين حضرموت وأقصى أفريقية، وما بين الهند وأقصى فرغانة «٣» ، فعليك بهؤلاء الشيعة واستوص بهم خيرا، فهم دعاتك وأنصارك، ولتكن دعوتك خراسان لا تعدوها، لا سيما مرو، واستبطن هذا الحيّ من اليمن فإن كان ملك لا يقوم به فمصيره إلى انتقاض «٤» ، وانظر هذا الحي من ربيعة فألحقهم بهم، فإنهم معهم في كل أمر؛ وانظر هذا الحيّ من قيس وتميم فأقصهم إلا من عصم الله منهم، وذلك قليل ثم مرهم أن يرجعوا فليجعلوا اثنى عشر نقيبا، وبعدهم سبعين نقيبا؛ فإن الله لم يصلح أمر بني إسرائيل إلا بهم، وقد فعل ذلك النبي صلّى الله عليه وسلم، فإذا مضت سنة الحمار فوجه رسلك من خراسان، منهم من يقتل ومنهم من ينجو، حتى يظهر الله دعوتكم. قال محمد بن علي: يا أبا هاشم، وما سنة الحمار؟ قال: إنه لم تمض مائة سنة من نبوّة قط إلا انتقض أمرها، لقول الله عز وجل: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ