أباكم ركب أمرا عظيما في الإسلام بادّعائه إلى أبي سفيان؛ فو الله ما علمت سميّة بغت قط؛ وقد استأذن أمير المؤمنين في الحج، وهو مارّ بالمدينة لا محالة، وبها أمّ حبيبة ابنة أبي سفيان زوج النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا بد له من الاستئذان عليها، فإن أذنت له فقعد منها مقعد الأخ من أخته، فقد انتهك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم حرمة عظيمة، وإن لم تأذن له فهو عار الأبد. ثم خرج، فقال له زياد: جزاك الله خيرا من أخ فما تدع النصيحة على حال. وكتب إلى معاوية يستقيله، فأقاله.
وكتب زياد إلى معاوية: إني قد أخذت العراق بيميني، وبقيت شمالي فارغة. وهو يعرّض له بالحجاز. فبلغ ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: اللهم اكفنا شماله! فعرضت له قرحة في شماله فقتلته.
ولما بلغ عبد الله بن عمر موت زياد قال: اذهب إليك ابن سمية، لا يدا رفعت عن حرام ولا دنيا تملّيت «١» .
قال زياد لعجلان حاجبه: كيف تأذن للناس؟ قال: على البيوتات، ثم على الأنساب، ثم على الآداب. قال: فمن تؤخر؟ قال: من لا يعبأ الله بهم. قال: ومن هم؟ قال: الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف، وكسوة الصيف في الشتاء.
وقال زياد لحاجبه: وليتك حجابتي وعزلتك عن أربع: هذا المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح، لا تعوجنّه «٢» فلا سلطان لك عليه؛ وطارق الليل لا تحجبه فشر ما جاء به، ولو كان خيرا ما جاء في تلك الساعة؛ ورسول الله صاحب الثغر «٣» ، فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة؛ وصاحب الطعام، فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد.
وقال عجلان حاجب زياد: صار لي في يوم واحد مائة ألف دينار وألف سيف قيل له: وكيف ذلك؟ قال: أعطى زياد ألف رجل مائتي ألف دينار وسيفا سيفا، فأعطاني كل رجل منهم نصف عطائه وسيفه.