وقد رحل الناس وهم على طعام يأكلون، فقال لهم: ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين؟ فقال له: انزل يا ابن اللخناء «١» فكل معنا. فقال: هيهات. ذهب ما هنالك. ثم أمر بهم فجلدوا بالسياط وطوّفهم في العسكر، وأمر بفساطيط «٢» روح بن زنباع فأحرقت بالنار؛ فدخل بن زنباع على عبد الملك بن مروان باكيا، فقال له:
مالك؟ فقال يا أمير المؤمنين، الحجاج بن يوسف الذي كان في عديد شرطتي، ضرب عبيدي وأحرق فساطيطي! قال: عليّ به. فلما دخل عليه قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: ما أنا فعلته يا أمير المؤمنين! قال: ومن فعله؟ قال أنت والله فعلته؛ إنما يدي يدك، وسوطي سوطك؛ وما على أمير المؤمنين أن يخلف على روح بن زنباع للفسطاط فسطاطين وللغلام غلامين، ولا يكسرني فيما قدّمني له؟ فأخلف لروح بن زنباع ما ذهب له وتقدم الحجاج في منزلته، وكان ذلك أول ما عرف من كفايته.
قال أبو الحسن المدائني: كانت أم الحجاج الفارعة بنت هبّار. فقال: كان الحجاج ابن يوسف يضع كل يوم ألف خوان «٣» في رمضان وفي سائر الأيام خمسمائة خوان، على كل خوان عشرة أنفس، وعشرة ألوان، وسمكة مشوية طرية، وأرزة بسكر، وكان يحمل في محفّة «٤» ويدار به على موائده يتفقدها، فإذا رأى أرزة ليس عليها سكر وسعى الخباز ليجيء بسكرها فأبطأ حتى أكلت الأرزة بلا سكر، أمر به فضرب مائتي سوط؛ فكانوا بعد ذلك لا يمشون إلا متأبّطي خرائط السكر.
قال: وكان يوسف بن عمر والي العراق في أيام هشام بن عبد الملك يضع خمسمائة خوان، فكان طعام الحجاج لأهل الشام خاصة، وطعام يوسف بن عمر لمن حضره؛ فكان عند الناس أحمد.
العتبي قال: دخل على الحجاج سليك بن سلكة، فقال: أصلح الله الأمير، أعرني سمعك، واغضض عني بصرك، واكفف عني غربك «٥» ؛ فإن سمعت خطأ أو زللا