قال سهل: فكنت كمن نشر «١» عن كفن وأخرج من حبس؛ وأحصيت حباءهما فوجدته عشرين ألف ألف دينار، ثم قفلت راجعا إلى بغداد.
وفرّق البرد «٢» إلى الأمصار بقبض أموالهم وغلاتهم، وأمر بجيفة جعفر وجثته ففصلت على ثلاثة جذوع: رأسه في جذع على رأس الجسر مستقبل الصّراة «٣» ، وبعض جسده على جذع بالجزيرة، وسائره في جذع على آخر الجسر الثاني مما يلي باب بغداد.
فلما دنونا من بغداد، طلع الجسر الذي فيه وجه جعفر، واستقبلنا وجهه واستقبلته الشمس؛ فو الله لخلتها تطلع من بين حاجبيه؛ فأنا عن يمينه وعبد الملك بن الفضل الحاجب عن يساره، فلما نظر إليه الرشيد- وكأنما قنأ «٤» شعره وطلى بنور بشره- اربدّ «٥» وجهه وأغضى بصره؛ فقال عبد الملك بن الفضل: لقد عظم ذنب لم يسعه أمير المؤمنين! قال الرشيد: من يرد غير مائة يصدر بمثل دائه، ومن أراد فهم ذنبه يوشك أن يقوم على مثل راحلته؛ عليّ بالنضاحات «٦» . فنضح عليها حتى احترقت عن آخرها وهو يقول: لئن ذهب أثرك لقد بقي خبرك، ولئن حط قدرك لقد علا ذكرك! قال سهل بن هارون: وأمر بضم أموالهم، فوجد من العشرين ألف ألف التي كانت مبلغ جبايتهم، اثنى عشر ألف ألف مكتوبا على بدرها «٧» صكوك مختومة تفسيرها رقيما حبوا بها. فما كان منها حباء على غريبة، أو استطراف ملحة؛ تصدق به يحيى وأثبت ذلك في ديوانها على تواريخ أيامها، فكان ديوان إنفاق واكتساب فائدة.