وأمره بأمره، وقال له: إني إنما أدخلك بين جلدي وعظمي؛ فلا توطئنّي عشواء «١» ، ولا تخف عني أمرا تعلمه. فخرج سلم بن قتيبة حتى قدم المدينة، وكان عبد الله يبسط له في رخام المنبر في الروضة، وكان مجلسه فيه؛ فجلس إليه وأظهر له المحبة والميل إلى ناحيته؛ ثم قال له حين أنس إليه: إن نفرا من أهل خراسان، وهم فلان وفلان- وسمّى له رجالا يعرفهم ممن كان يكاتب، ممن استقرّ عند أبي جعفر أمرهم- قد بعثوا إليك معي مالا، وكتبوا إليك كتابا فقبل الكتاب والمال، وكان المال عشرة آلاف دينار.
ثم أقام معه ما شاء الله حتى ازداد به أنسا وإليه استنامة «٢» ، ثم قال له: إني قد بعثت بكتابين إلى أمير المؤمنين محمد، وإلى وليّ عهده إبراهيم؛ وأمرت أن لا أوصل ذلك إلا في أيديهما، فإن أوصلتني إليهما وأدخلتني عليهما؛ أوصلت إليهما الكتابين والمال، ورحلت إلى القوم بما يثلج صدورهم، وتقبله قلوبهم، فأنا عندهم بموضع الصدق والأمانة، وإن كان أمرهما مظلما؛ وإن لم تكن تعرف مكانهما، لم يخاطروا بدينهم وأموالهم ومهجهم. فلما رأى عبد الله أنّ الأمور تفسد عليه من حيث يرجو صلاحها، [وأنه لا سبيل إلى ما معه] إلا بإيصاله إليهما وإظهارهما له، أوصله- فدفع الكتابين مع أربعين ألف درهم- ثم قال: هذا محمد، وهذا إبراهيم. فقال لهم:
إن من ورائي لم يبعثوني ولهم ورائي غاية، وليس مثلي ينصرف إلى قوم إلا بجملة ما يحتاجون إليه، ومحمد إنما صار إلى هذه الخطة، ووجبت له هذه الدعوة، لقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ وهاهنا من هو أقرب من رسول الله رحما وأوجب حقا منه قال:
ومن هو؟ قال: أنت! إلا أن يكون عند ابنك محمد أثر ليس عندك في نفسك! قال:
فكذلك الأمر عندي. قال له: فإن القوم يقتدون بك في جميع أمورهم، ولا يريدون أن يبذلوا دينهم وأموالهم وأنفسهم إلا بحجّة يرجون بها لمن قتل منهم الشهادة؛ فإن أنت خلعت أبا جعفر وبايعت محمدا اقتدوا بك، وإن أبيت اقتدوا بك أيضا في