عدّة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا كلهم فقيه يفقه «١» ما يقال له ويحسن الجواب؛ فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين. فسمّينا له عدة، وذكر هو عدة، حتى تم العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم، وأمر بالبكور «٢» في السحر، وبعث إلى من لم يحضر، فأمره بذلك؛ فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالس ينتظرنا، فركب وركبنا معه حتى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف؛ فلما نظر إلينا قال: يا أبا محمد، أمير المؤمنين ينتظرك.
فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة فأخذنا فيها، فلم نستتم حتى خرج الرسول فقال: ادخلوا.
فدخلنا فإذا أمير المؤمنين جالس على فراشه، وعليه سواده وطيلسانه «٣» والطويلة وعمامته، فوقفنا وسلّمنا، فردّ السلام وأمر لنا بالجلوس، فلما استقرّ بنا المجلس انحدر عن فراشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته «٤» ، ثم أقبل علينا فقال: إنما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك، وأما الخفّ فمنع من خلعه علة، من قد عرفها منكم فقد عرفها، ومن لم يعرفها فسأعرّفه بها. ومدّ رجله وقال: انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم. قال: فأمسكنا، فقال لنا يحيى: انتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين. فتنحينا فنزعنا أخفافنا وطيالستنا وقلانسنا ورجعنا؛ فلما استقر بنا المجلس قال: إنما بعثت إليكم معشر القوم في المناظرة، فمن كان به شيء من الأخبثين «٥» لم ينتفع بنفسه ولم يفقه ما يقول؛ فمن أراد منكم الخلاء فهناك. وأشار بيده، فدعونا له. ثم ألقى مسألة من الفقه، فقال: يا محمد، قل، وليقل القوم من بعدك. فأجابه يحيى، ثم الذي يلي يحيى، ثم الذي يليه، حتى أجاب آخرنا، في العلة