فمكث عندهم حينا، ثم إن الاسود بن المنذر لما اعجزه أمره أرسل إلى جارات كن للحارث بن ظالم، فاستاقهنّ وأموالهن، فبلغ ذلك الحارث بن ظالم، فخرج من الحين فاندس الحارث بن ظالم في الناس حتى علم مكان جاراته ومرعى إبلهنّ، فأتاهنّ فاستنقذهنّ واستاق إبلهنّ، فألحقهنّ بقومهنّ، واندس في بلاد غطفان، حتى أتى سنان بن أبي حارثة المري- وهو ابو هرم الذي كان يمدحه زهير- وكان الاسود بن المنذر قد استرضع ابنه شرحبيل عند سلمى امرأة سنان وهي من بني غنم بن دودان بن أسد، فكانت لا تأمن على ابن الملك أحدا، فاستعار الحارث بن ظالم سرج سنان وهو في ناحية الشربة «١» ، لا يعلم سنان ما يريد، وأتى بالسرج امرأة سنان وقال لها: يقول لك بعلك ابعثي ابنك مع الحارث، فإني أريد أن استأمن له الملك، وهذا سرجه آية ذلك. قال: فزيّنته سلمى ورفعته إليه فأتى به ناحية من الشربة فقتله، وقال في ذلك:
أخصي حمار بات يكدم نجمة ... أتوكل جاراتي وجارك سالم «٢»
علوت بذي الحيّات مفرق رأسه ... ولا يركب المكروه إلا الأكارم «٣»
فتكت به كما فتكت بخالد ... وكان سلاحي تجتويه الجماجم «٤»
بدأت بذاك وانثنيت بهذه ... وثالثة تبيضّ منها المقادم
قال: وهرب الحارث من فوره ذلك، وهرب سنان بن أبي حارثة، فلما بلغ الاسود قتل ابنه شرحبيل، غزا بني ذبيان، فقتل وسبي وأخذ الأموال، وأغار على بني دودان رهط سلمى التي كان شرحبيل في حجرها، فقتلهم وسباهم فنشط لذلك، قال:
فوجد بعد ذلك نعلي شرحبيل في ناحية الشربة عند بني محارب بن خصفة، فغزاهم الملك، ثم أسرهن، ثم أحمى الصفا «٥» ، وقال: إني أحذيكم نعالا فأمشاهم على ذلك الصفا، فتساقطت أقدامهم، ثم إن سيار بن عمرو بن جابر الفزاري، احتمل للاسود