زيد فمكّنه النعمام، ثم سعي بينهما فحبسه حتى أتى على نفسه، وهو القائل:
أبلغ النّعمان عني مألكا ... أنه قد طال حبسي وانتظاري
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري «١»
وعداتي شمّت أعجبهم ... أنّني غيّبت عنهم في إساري
لامريء لم يبل مني سقطة ... إن أصابته ملمّات العثار «٢»
فلئن دهر تولى خيره ... وجرت بالنّحس لي منه الجواري
لبما منه قضينا حاجة ... وحياة المرء كالشّيء المعار
فلما قتل النعمان عديّ بن زيد العبادي- وهو من بني امريء القيس بن سعد بن زيد مناة بن تميم- سار ابنه زيد بن عدي إلى كسرى فكان من تراجمته وكان النعمان عند كسرى، فحمله عليه، فهرب النعمان حتى لحق ببني رواحة من عبس، واستعمل كسرى على العرب إياس بن قبيصة الطائي، ثم إن النعمان تجول حينا في أحياء العرب، ثم أشارت عليه امرأته المتجردة أن يأتي كسرى ويعتذر إليه، ففعل، فحبسه بساباط «٣» حتى هلك، ويقال أوطأه الفيلة.
وكان النعمان إذا شخص إلى كسرى أودع حلقته وهي ثمانمائة درع وسلاحا كثيرا، هانيء بن مسعود الشيباني، وجعل عنده ابنته هند التي تسمى حرقة، فلما قتل النعمان قالت فيه الشعراء، فقال فيه زهير بن أبي سلمى المزنيّ:
ألم تر للنّعمان كان بنجوة ... من الشرّ لو أنّ امرءا كان باقيا «٤»
فلم أر مخذولا له مثل ملكه ... أقلّ صديقا أو خليلا موافيا
خلا أنّ حيّا من رواحة حافظوا ... وكانوا أناسا يتّقون المخزيا «٥»
فقال لهم خيرا وأثنى عليهم ... وودّعهم توديع أن لا تلاقنا