وقال عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده: روّهم الشعر، روّهم الشعر: يمجدوا وينجدوا! وقالت عائشة: روّوا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم.
وبعث زياد بولده إلى معاوية، فكاشفه عن فنون من العلم فوجده عالما بكل ما سأله عنه، ثم استنشده الشعر، فقال: لم أرو منه شيئا! فكتب معاوية إلى زياد؟ ما منعك أن تروّيه الشعر؟ فوالله إن كان العاق «١» ليرويه فيبرّ، وإن كان البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل.
وكان علي رضي الله عنه إذا أراد المبارزة في الحرب أنشأ يقول:
أيّ يوميّ من الموت أفرّ ... يوم لا يقدر أم يوم قدر
يوم لا يقدر لا أرهبه ... ومن المقدور لا ينجو الحذر
وقال المقداد بن الأسود: ما كنت أعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلم بشعر ولا فريضة من عائشة رضي الله عنها! وفي رواية الخشني عن أبي عاصم عن عبد الله بن لا حق عن ابن أبي مليكة قال:
قالت عائشة: رحم الله لبيدا كان يقول:
قضّ الّلبانة لا أبا لك واذهب ... والحق بأسرتك الكرام الغيّب «٢»
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب «٣»
فكيف لو أدرك زماننا هذا! ثم قالت: إني لأروي ألف بيت له، وإنه أقل ما أروي لغيره.
وقال الشعبي: ما أنا لشيء من العلم أقلّ مني رواية للشعر، ولو شئت أن أنشد شعرا شهرا لا أعيد بيتا لفعلت.