قلت: يا أمير المؤمنين، هذا كثير في كلامهم، ولا أحسبه إلا عن أثر «١» ألقي إليهم. قال: قلما أجد الأشياء لا تثيرها إلا الفكر في القلوب، فإن ذهبت إلى أنه هبة الله. قال: ذهبت إلى ما أدّتهم إليه الأوهام. ثم قال: أرويت للشماخ شيئا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: يعجبني منه قوله:
إذا ردّ من ثني الزّمام ثنت له ... جرانا كخوط الخيزران المموّج «٢»
قلت: يا أمير المؤمنين، هي عروس كلامه. قال: فأيها الحسن الآن من كلامه؟
قلت: الرائية. وأنشدته أبياتا منها، قال: أمسك، ثم قال: أستغفر الله ثلاثا، أرح قليلا واجلس، فقد أمتعت منشدا، ووجدناك محسنا في أدبك، معبرا عن سرائر حفظك، ثم التفت إلى الفضل، فقال: لكلام هؤلاء ومن نقدّم من الشعراء، ديباج الكلام الخسروانيّ «٣» يزيد على القدم جدّة وحسنا، فإذا جاءك الكلام الزيّن بالبديع، جاءك الحرير الصيني المذهب، يبقى على المحادثة في أفواه الرّواة، فإذا كان له رونق صواب، وعته الأسماع، ولذّ في القلوب، ولكن في الأقل منه، ثم قال: يعجبني مثل قول مسلم في أبيك وأخيك الذي افتتحه بمخاطبة حليلته مفتخرا عليها بطول السّرى في اكتساب المغانم حيث قال:
أجدك هل تدرين أن ربّ ليلة ... كأنّ دجاها من قرونك ينشر «٤»
صبرت لها حتى تجلّت بغرّة ... كغرّة يحيى حين يذكر جعفر «٥»
أفرأيت؟ ما ألطف ما جعلهما معدنا لكمال الصفات ومحاسنها! ثم التفت إليّ فقال:
أجد ملالة، ولعل أبا العباس يكون لذلك أنشط، وهو لنا ضيف في ليلتنا هذه، فأقم معه مسامرا له! ثم نهض، فتبادر الخدم، فأمسكوا بيده حتى نزل عن فرشه، ثم