للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنها هي انتجعتنا. وهذا من التعنّت الذي لا انصاف معه، لان قوله: انتجعي بلالا، إنما اراد نفسه، ومثله في كتاب الله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها

«١» ، وإنما أراد أهل القرية وأهل العير.

وكان عمر بن الخطاب يقول في بعض ما يرتجز به من شعره:

إليك يعدو قلعا وضينها ... مخالفا دين النصارى دينها «٢»

فجعل الدين للناقة، وإنما اراد صاحب الناقة.

ولم تزل الشعراء في أماديحها تصف النوق وزيارتها لمن تمدحه، ولكن من طلب تعنتا وجده، أو تجنيا على الشاعر أدركه عليه، كما فعل صريع الغواني بالحسن ابن هانىء حين لقيه، فقال له: ما يسلم لك بيت عندي من سقط! قال: فأي بيت أسقطت فيه، قال: أنشدني أي بيت شئت. فأنشده:

ذكر الصّبوح بسحرة فارتاحا ... وأملّه ديك الصّباح صباحا

فقال له: قد ناقضت في قولك، كيف يمله ديك الصباح صياحا، وإنما يبشره بالصبوح الذي ارتاح له! فقال له الحسن: فأنشدني أنت. من قولك. فأنشده:

عاصى العزاء فراح غير مفنّد ... وأقام بين عزيمة وتجلّد

قال له: قد ناقضت في قولك، إنك قلت:

عاصى العزاء فراح غير مفند

ثم قلت:

وأقام بين عزيمة وتجلد

فجعلته رائحا مقيما في مقام واحد، والرائح غير المقيم.

والبيتان جميعا مؤتلفان، ولكن من طلب عيبا وجده.