عليك شيئا! فضجرت منها ومن قولها، وخرجت على وجهي في ذلك البرد والريح، وليس عليّ إلا فرو خلق «١» ، ليس فوقه دثار، ولا تحته شعار، إلا ازار على عنقي؛ ثم جاءت ريح شديدة، فذهبت به عن يدي، وتفرّقت أجزاؤه عني من بلاه وكثرة رقاعه، وعلى عنقي طيلسان «٢» ليس عليّ منه إلا رسمه.
فخرجت والله متحيرا لا ادري أين أقصد ولا حيث أذهب؛ فبينما أنا أجيل الفكرة، إذ أخذتني سماء بفطر متدارك، فدفعت على دار على بابها روشن «٣» مطلّ ودكان نظيف وليس عليه أحد؛ فقلت: أستتر بالروشن إلى أن يسكن المطر.
فقصدت قصد الدار، فإذا بجارية قاعدة، قد لزمت باب الدار كالحافظة عليه؛ فقالت لي: إليك يا شيخ عن بابنا. فقلت: أنا- ويحك- لست بسائل، ولا أنا ممن تتخوّف ناحيته! فجلست على الدكان، فلما سكنت نفسي سمعت نغمة رخيمة من وراء الباب، تدلّ على نغمة امرأة: فأصغيت، فإذا بكلام يدل على عتاب؛ ثم سمعت نغمة اخرى مثل تلك، وهي تقول فعلت وفعلت! والاخرى تقول: بل انت فعلت وفعلت! إلى أن قالت إحداهما: أنا- جعلت فداك- إن كنت أسأت فاغفري؛ واحفظي فيّ بيتين لمولانا ابراهيم السويقي! فقالت الاخرى: وما قال؟ فانه يبلغني عنه اشعار ظريفة. فأنشدتها تقول:
هبيني يا معذّبتي أسأت ... وبالهجران قبلكم بدأت
فأين الفضل منك فدتك نفسي ... عليّ إذا أسأت كما أسأت
فقالت: ظرف والله وأحسن! فلما سمعت ذكري وذكر «مولانا» علمت أنهما من بعض نساء المهالبة؛ فلم أتمالك أن دفعت الباب وهجمت عليهما، فصاحتا: وراءك يا شيخ عنّا حتى نستتر! وتوهّمتا أنني من أهل الدار؛ فقلت لهما. جعلت فداكما، لا تحتشما مني؛ فإني أنا ابراهيم السويقي؛ فبالله، وبحق حرمتي منكنّ، إلّا شفّعتني فيها،