فيا لك من ليل تقاصر طوله ... وما كان ليلي قبل ذلك يقصر
ويا لك من ملهى هناك ومجلس ... لنا لم يكدّره علينا مكدّر
يمجّ ذكيّ المسك منها مفلّج ... رقيق الحواشي ذو غروب مؤشّر «١»
وترنو بعينيها إليّ كما رنا ... إلى ربرب وسط الخميلة جؤذر «٢»
بروق إذا تفترّ عنه كأنه ... حصى برد أو أقحوان منوّر
فلما تقضي الليل إلا أقلّه ... وكادت توالي نجمه تتغوّر
أشارت بأنّ الحيّ قد حان منهم ... هبوب ولكن موعد لك غزور «٣»
فما راعني إلا مناد برحلة ... وقد لاح مفتوق من الصّبح أشقر «٤»
فلما رأت من قد تنوّر منهم ... وأيقاظهم قالت أشر كيف تأمر
فقلت: أباديهم فإمّا أفوتهم ... وإمّا ينال السيف ثأرا فيثأر
فقالت: أتحقيقا لما قال كاشح ... علينا وتصديقا لما كان يؤثر
فإن كان ما لا بدّ منه فغيره ... من الأمر أدنى للخفاء وأستر
أقصّ على أختيّ بدء حديثنا ... ومالي من أن يعلما متأخّر
لعلّهما أن يبغيا لك مخرجا ... وأن يرحبا صدرا بما كنت أحصر
فقالت لأختيها أعينا على فتى ... أتى زائرا والأمر للأمر يقدر
فأقبلتا فارتاعتا ثم قالتا ... أقلّي عليك اللوم فالخطب أيسر
يقوم فيمشي بيننا متنكّرا ... فلا سرّنا يفشو ولا هو يبصر
فكان مجنّي دون ما كنت أتقي ... ثلاث شخوص: كاعبان ومعصر «٥»
فلما أجزنا ساحة الحيّ قلن لي ... ألم تتّق الأعداء والليل مقمر
وقلن أهذا دأبك الدهر سادرا ... أما تستحي أم ترعوي أم تفكّر