الرأي؛ فأكذبت له كلّ ما حكاه له ابن جعفر عني، ووصفت له نفسي بغاية الملاء والجدة؛ فامتلأ عبد الملك سرورا بما ذكرت له، وغما بتكذيب ابن جعفر؛ فلما عاد إليه ابن جعفر، عاتبه عبد الملك على ما حكاه عني وأخبره بما حلّيت به نفسي؛ فقال: كذب والله يا أمير المؤمنين، وإنّه أحوج أهل الحجاز إلى قليل فضلك، فضلا عن كثيره! ثم خرج عبد الله فلقيني، فقال: ما حملك أن كذّبتني عند أمير المؤمنين؟ قلت: أفكنت تراني تجلسني بين شمس وقمر، ثم أتفاقر عنده! لا والله ما رأيت ذلك لنفسي وإن رأيته لي! فلما أعلم بذلك عبد الله بن جعفر عبد الملك بن مروان، قال: فالجاريتان له! قال: فلما صارتا إليّ زرت عبد الله بن جعفر، فوجدته قد امتلأ فرحا، وهو يشرب، وبين يديه عس «١» فيه عسل ممزوج بمسك وكافور، فقال: مهيم! قلت: قد والله قبضت الجاريتين. قال: فاشرب. فتناولت العس فجرعت منه جرعة، فقال لي: زد؛ فأبيت عليه، فقال لجارية له عنده تغنيه: إن هذا قد حاز اليوم غزالتين من عند أمير المؤمنين؛ فخذي في نعتهما؛ فإنهما كما فلّكت «٢» صدورهما. فحركت الجارية العود ثم غنت:
عهدي بها في الحيّ قد جردت ... صفراء مثل المهرة الضامر
قد حجم الثّدي على نحرها ... في مشرق ذي بهجة ناضر
لو أسندت ميتا إلى صدرها ... قام ولم ينقل إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميّت الناشر
قال: فلما سمعت الأبيات طربت، ثم تناولت العس فشربت عللا بعد نهل، ورفعت عقيرتي أغني:
سقوني وقالوا لا تغنّ ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنّت