للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال فضحك المهدي وقال: فما تريد أن أعينك به في تربيتها أبا دلامة؟ قال: تملأ هذه يا أمير المؤمنين. وأشار إليه بالخريطة بين إصبعيه. فقال المهدي: وما عسى أن تحمل هذه؟ قال: من لم يقنع بالقليل لم يقنع بالكثير. فأمر أن تملأ مالا، فلما نشرت أخذت عليهم صحن الدار، فدخل فيها أربعة آلاف درهم.

وكان المهدي قد كسا أبا دلامة ساجا «١» ، فأخذ به وهو سكران، فأتي به إلى المهدي؛ فأمر بتمزيق الساج عليه وأن يحبس في بيت الدّجاج؛ فلما كان في بعض الليل وصحا أبو دلامة من سكره ورأى نفسه بين الدّجاج، صاح: يا صاحب البيت! فاستجاب له السجان، قال: مالك يا عدوّ الله؟ قال: ويلك! من أدخلني مع الدّجاج؟

قال: أعمالك الخبيثة! أتي بك أمير المؤمنين وأنت سكران، فأمر بتمزيق ساجك وحبسك مع الدّجاج. قال له: ويلك! أو تقدر على أن توقد لي سراجا وتجيئني بدواة وورق ولك سلبي «٢» هذا. فأتاه بدواة وورق؛ فكتب أبو دلامة إلى المهديّ:

أمن صهباء صافية المزاج ... كأنّ شعاعها لهب السّراج

تهشّ لها النفوس وتشتهيها ... إذا برزت ترقرق في الزّجاج

وقد طبخت بنار الله حتّى ... لقد صارت من النّطف النّضاج «٣»

أمير المؤمنين فدتك نفسي ... علام حبستني وخرقت ساجي

أقاد إلى السجون بغير ذنب ... كأنّي بعض عمّال الخراج

ولو معهم حبست لهان وجدي ... ولكنّي حبست مع الدّجاج

دجاجات يطيف بهنّ ديك ... ينادي بالصّياح إذا يناجي

وقد كانت تخبّرني ذنوبي ... بأنّي من عذابك غير ناجي

على أنيّ وإن لاقيت شراّ ... لخيرك بعد ذاك الشرّ راجي

ثم قال أوصلها إلى أمير المؤمنين. فأوصلها إليه السجّان، فلما قرأها أمر بإطلاقه