الرجل ولم تؤامرني في نفسي، فعرض لي معه ما عرض؛ فلا تزوّجني من احد حتى تعرض عليّ امره، وتبيّن لي خصاله، فخطبها سهيل بن عمرو، وأبو سفيان بن حرب. فدخل عليها أبوها وهو يقول:
أتاك سهيل وابن حرب وفيهما ... رضا لك يا هند الهنود ومقنع
وما منهما إلا يعاش بفضله ... وما منهما إلا يضرّ وينفع
وما منهما إلا كريم مرزّأ ... وما منهما إلا أغرّ سميدع «١»
فدونك فاختاري فأنت بصيرة ... ولا تخدعي إن المخادع يخدع
قالت: يا أبت، والله ما أصنع بهذا شيئا، ولكن فسّر لي أمرهما وبيّن لي خصالهما، حتى أختار لنفسي أشدّهما موافقة لي. فبدأ بذكر سهيل بن عمرو، فقال:
أما أحدهما ففي ثروة واسعة من العيش، إن تابعتيه تابعك، وإن ملت عنه حطّ إليك، تحكمن عليه في أهله وماله. واما الآخر فموسّع عليه، منظور إليه، في الحسب الحسيب، والرأي الأريب، مدره أرومته، وعزّ عشيرته. شديد الغيرة، كثير الظّهرة، لا ينام على ضعة، ولا يرفع عصاه عن أهله.
فقالت: يا أبت، الأوّل سيد مضياع للحرّة، فما عست ان تلين بعد إبائها، وتضيع تحت جناحه، إذا تابعها بعلها فأشرت، وخافها أهلها فأمنت، فساء عند ذلك حالها، وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت؛ فاطو ذكر هذا عني، ولا تسمّه عليّ بعد. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة، الحرّة العفيفة، وإني للتي لا أريب له عشيرة فتعيره، ولا تصيّره بذعر فتضيره، وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة، فزوّجنيه.
فزوجها من أبي سفيان، فولدت له معاوية، وقبله يزيد؛ فقال في ذلك سهيل بن عمرو:
نبّئت هندا تبّر الله سعيها ... تأبّت وقالت وصف أهوج مائق «٢»