قال: فخرجت على بغلة لي تركية، فأتيت البصرة في ثلاثين يوما، ووافيته في صلاة العصر، فوجدته قاعدا على دكانه، فسلمت عليه، فقال لي من أنت؟ قلت له:
ابن اخيك يعلي، قال: وأين ثقلك «١» ؟ قلت: تعجلت إليك حين أتاني كتابك وطربت نحوكم. قال: يابن اخي، أتدري ما قالت العرب؟ قلت: لا. قال: قالت العرب: شر الفتيان المفلس الطروب! قال: فقمت إلى بغلتي فأعددت سرجي عليها، فما قال لي شيئا، ثم قال: إلى أين؟ قلت: إلى سجستان! قال: في كنف الله.
قال: فخرجت فبتّ في الجسر، ثم ذكرت أم طلحة، فانصرفت أسأل عنها حتى أتيت منزلها- وكان طلحة أبرّ الناس بها- فقلت: رسول طلحة، فقالت ائذنوا له.
فدخلت، فقالت: ويحك! كيف ابني؟ قلت: على احسن حال. قالت: فلله الحمد! وإذا بعجوز قد تحدرت، قالت: فما جاء بك؟ قلت: كيت وكيت. قالت: يا جارية.
ائتني بأربعة آلاف درهم! ثم قالت: ائت عمك فابتن بابنته، ولك عندنا ما تحب! قلت: لا والله لا أعود إليه أبدا، قالت: يا جارية ائتني ببغلة رحالتي. ثم قالت، راوح بين هذه وبغلتك حتى تأتي سجستان. قلت: اكتبي بالوصاة بي والحالة التي استقبلتها. فكتبت بوجعها التي كانت فيه، وبعافية الله إياها، وبالوصاة بي؛ فلم تدع شيئا. ثم دفعت حتى أتيت سجستان، فأتيت باب طلحة، وقلت للحاجب: رسول صفية بنت الحرث. وأنا عابس باسر، فدخل؛ فخرج طلحة متوشّحا، وخلفه وصيف يسعى بكرسي، فقمت بين يديه، فقال: ويلك! كيف أمي؟ قلت: بأحسن حالة. قال: انظر كيف تقول؟ قلت: هذا كتابها. قال: فعرف الشواهد والعلامات، قلت: اقرأ كتاب وصيتها. قال: ويحك! ألم تأتني بسلامتها؟ حسبك! فأمر لي بخمسين ألف درهم، وقال لحاجبه: اكتبه في خاصة أهلي، قال: فو الله ما أتى عليّ الحول حتى تم لي مائة ألف.
قال ابن عياش: فقلت له: هل لقيت عمك بعد ذلك؟ قال لا والله ولا ألقاه أبدا.