من الكفاية؛ فلما صرت إلى تفريق أجزائه على الأعضاء، وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء «١» ، وجدت في الأعضاء فضلا على الماء؛ فعلمت أن لو كنت سلكت الاقتصاد في أوائله لخرج آخره على كفاية أوّله، ولكان نصيب [العضو] الأول كنصيب الآخر؛ فعبتموني بذاك وشنعتم عليّ؛ وقد قال الحسن وذكر السّرف: أما إنه ليكون في الماء والكلأ؛ فلم يرض بذكر الماء حتى أردفه بالكلأ.
وعبتموني أن قلت: لا يغترّنّ أحدكم بطول عمره، وتقوّس ظهره، ورقة عظمه، ووهن قوته، وأن يرى نحوه أكثر ذريته؛ فيدعوه ذلك إلى إخراج ماله من يده، وتحويله إلى ملك غيره، وإلى تحكيم السرف فيه، وتسليط الشهوات عليه؛ فلعله أن يكون معمرا؛ وهو لا يدري، وممدودا له في السنّ وهو لا يشعر؛ ولعله أن يرزق الولد على اليأس، أو يحدث عليه من آفات الدهر ما لا يخطر على بال ولا يدركه عقل، فيستردّه ممن لا يردّه، ويظهر الشكوى إلى من لا يرحمه؛ أصعب ما كان عليه الطلب، وأقبح ما كان به أن يطلب؛ فعبتموني بذلك وقد قال عمرو بن العاص:
اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
وعبتموني بأن قلت بأن السرف والتبذير إلى مال المواريث وأموال الملوك [أسرع] وأن الحفظ للمال المكتسب، والغنى المجتلب، وإلى ما يعرض فيه لذهاب الدين، واهتضام العرض، ونصب البدن، واهتمام القلب- أسرع؛ ومن لم يحسب نفقته لم يحسب دخله، ومن لم يحسب الدخل فقد أضاع الأصل، ومن لم يعرف للغنى قدره فقد أذن بالفقر، وطاب نفسا بالذل.
وعبتموني بأن قلت: إن كسب الحلال يضمن الإنفاق في الحلال، وأن الخبيث ينزع إلى الخبيث، وأن الطيب يدعو إلى الطيب، وأن الإنفاق في الهوى حجاز دون الحقوق؛ فعبتم عليّ هذا القول؛ وقد قال معاوية: لم أر تبذيرا قط إلا وإلى جنبه تضييع. وقد قال الحسن: إن أردتم أن تعرفوا من أين أصاب الرجل ماله، فانظروا