الزبد من عصير العنب، من غير أن تمسه نار، ولا يزال خمرا حتى يصير خلا، وذلك إذا غلبت عليه الحموضة وفارقتها النشوة؛ لأن الخمر ليست محرّمة العين كما حرمت عين الخنزير، وإنما حرمت لعرض دخل لها، فإذا زايلها ذلك العرض عادت حلالا كما كانت قبل الغليان حلالا، وعينها في كل ذلك واحدة، وإنما انتقلت أعراضها من حلاوة إلى مرارة، ومن مرارة إلى حموضة، كما ينتقل طعم الثمرة إذا أينعت من حموضة إلى حلاوة والعين قائمة، وكما ينتقل طعم الماء بطول المكث فيتغير طعمه وريحه والعين قائمة.
ونظير الخمر فيما يحل ويحرم بعرض: المسك الذي هو دم عبيط «١» حرام، ثم يجف ويجدد رائحة فيصير حلالا طيبا، فهذه الخمر بعينها المجمع على تحريمها؛ وأصحاب النبيذ إنما يدورون حولها ويتعللون أنهم يشربون ما دون المسكر، ولا لذة لهم دون موافقة المسكر كما قال الشاعر:
يدورون حول الشّيخ يلتمسونه ... بأشربة شتى هي الخمر تطلب
وقول القائل:
إياك أعني فاسمعي يا جاره
قيل للاحنف بن قيس: أي الشراب اطيب؟ فقال: الخمر. قيل له: وكيف علمت ذلك وأنت لم تشربها؟ قال: إني رأيت من أحلت له لا يتعدّاها، ومن حرمت عليه إنما يدور حولها! وقال ابن شبرمة:
ونبيذ الزّبيب، ما اشتدّ منه ... فهو للخمر والطّلاء نسيب «٢»