للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تسكروا، وإنما المسكر ما أسكرك، ولا يسمى القليل الذي لا يسكر مسكرا، ولو كان ما يسكر كثيره يسمى قليله مسكرا، ما أباح لنا منه شيئا: والدليل على ذلك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شرب من سقاية العباس، فوجده شديدا، فقطب بين حاجبيه، ثم دعا بذنوب «١» من ماء زمزم فصب عليه، ثم قال: إذا اغتلمت «٢» أشربتكم فاكسروها بالماء. ولو كان حراما لأراقه، ولما صب عليه ماء ثم شربه.

وقالوا في قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «كل مسكر خمر» : هو ما أسكر الفرق «٣» منه فملء الكف حرام؛ فإن هذا كله منسوخ، نسخه شربه للصّلب «٤» يوم حجة الوداع.

قالوا: ومن الدليل على ذلك أنه كان ينهى وفد عبد القيس عن شرب المسكر فوفدوا إليه بعد، فرآهم مصفرة ألوانهم، سيئة حالهم؛ فسألهم عن قصتهم، فأعلموه أنه كان لهم شراب فيه قوام أبدانهم فمنعهم من ذلك؛ فأذن لهم في شربه.

... وأن ابن مسعود قال: شهدنا التحريم وشهدتم، وشهدنا التحليل وغبتم. وأنه كان يشرب الصّلب من النبيذ التمر، حتى كثرت الروايات به عنه وشهرت وأذيعت، وأتبعه عامة التابعين من الكوفيين وجعلوه أعظم حججهم، وقال في ذلك شاعرهم:

من ذا يحرّم ماء المزن خالطه ... في جوف خابية ماء العناقيد؟ «٥»

إني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيه، ويعجبني قول ابن مسعود!

وإنما أراد أنهم كانوا يعمدون إلى الرّب الذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فيزيدون عليه من الماء قدر ما ذهب منه، ثم يتركونه حتى يغلي ويسكن جأشه، ثم يشربونه.

وكان عمر يشرب على طعامه الصلب، ويقول: يقطع هذا اللحم في بطوننا.

واحتجوا بحديث زيد بن أخزم عن أبي داود عن شعبة عن مسعر بن كدام عن ابن