جاد به، وقد كان قديما ولي شرطة البصرة، فحدثني هذا الحديث الذي أذكره، ووقع إليّ من غير ناحيته، ولا أذكر ما بينهما من الزيادة والنقصان، إلا أن معاني الحديث مجموعة فيما أذكر لك:
ذكر أن فتيانا كانوا مجتمعين في نظام واحد، كلهم ابن نعمة، وكلهم قد شرد عن أهله وقنع بأصحابه، فذكر ذاكر منهم قال:
كنا قد اكترينا «١» دارا شارعة على أحد طرق بغداد المعمورة بالناس، وكنا نفلس أحيانا ونوسر أحيانا، على مقدار ما يمكن الواحد من أهله، وكنا لا ننكر أن تقع مئونتنا على واحد منا إذا أمكنه، ويبقى الواحد منا لا يقدر على شيء، فيقوم به أصحابه الدهر الأطول، وكنا إذا أيسرنا أكلنا من الطعام ألينه، ودعونا الملهين والملهيات، وكان جلوسنا في أسفل الدار، فإذا عدمنا الطرب جلسنا في غرفة لنا نتمتع منها بالنظر إلى الناس؛ وكنا لا نخلّ بالنبيذ في عسر ولا يسر؛ فإنا لكذلك يوما إذا بفتى يستأذن علينا، فقلنا له: اصعد. فإذا رجل نظيف، حلو الوجه، سريّ الهيئة، ينيء رواؤه «٢» على أنه من أبناء النعم؛ فأقبل علينا فقال: إني سمعت مجتمعكم، وحسن منادمتكم! وصحة ألفتكم، حتى كأنكم أدرجتم جميعا فى قالب واحد: فأحببت أن أكون واحدا منكم فلا تحتشموا.
قال: وصادف ذلك منا إقتارا من القوت؛ وكثرة من النبيذ، وقد كان قال لغلام له: أول ما يأذنون لي أن أكون كأحدهم، هات ما عندك. فغاب الغلام عنا غير كثير، ثم أتانا بسلّة خيزران، فيها طعام المطبخ، من جدي، ودجاج، وفراخ، ورقاق «٣» ، وأشنان، ومحلب «٤» ، وأخلة «٥» ؛ فأصبنا من ذلك، ثم أفضنا في شرابنا.