درهم فدفعتها إلى الصبيّ فسكت؛ فإذا وجه رقيق كأنه كوكب درّي، وإذا شكل رطب ولسان فصيح؛ فلما رأتني أحدّ النظر إليها، قالت: اتبعني! فقلت: إن شريطتي الحلال! قالت: ارجع في حرامك! ومن يريديك على حرام؟ فخجلت، وغلبتني نفسي على رأيي، فتبعتها، فدخلت زقاق العطارين فصعدت درجة وقالت: اصعد! فصعدت، فقالت: أنا مشغولة وزوجي رجل من بني مخزوم، وأنا امرأة من زهرة! ولكن عندي حر ضيّق، عليه وجه أحسن من العافية، في مثل خلق ابن سريج، وترنم معبد، وتيه ابن عائشة؛ أجمع لك هذا كله في بدن واحد بأشقر سليم. قلت: وما أشقر سليم؟ قالت: بدينار واحد يومك وليلتك، فإذا قمت جعلت الدينار وظيفة وتزويجا صحيحا. قلت: فذلك لك إن اجتمع لي ما ذكرت. قال: فصفقت بيدها إلى جاريتها، فاستجابت لها، قالت: قولي لفلانة: البسي عليك ثيابك وعجّلي، وباللَّه لا تمسّي غمرا «١» ولا طيبا، فحسبك بدلالك وعطرك.
قال: فإذا جارية أقبلت ما أحسب أن الشمس وقعت عليها، كأنها دمية، فسلمت وقعدت كالخجلة.
فقالت: لها الأولى: إن هذا الذي ذكرته لك، وهو في هذه الهيئة التي ترين.
قالت: حيّاه اللَّه وقرّب داره. قالت: وقد بذل لك من الصداق دينارا. فقالت: أي أمّ، أخبرتيه بشريطتي؟ قالت: لا واللَّه يا بنية، لقد نسيتها. ثم نظرت إليّ فغمزتني وقالت: أتدري ما شريطتها؟ قلت: لا. قالت: أقول لك بحضورها ما إخالها تكرهه، هي واللَّه أفتك من عمرو بن معد يكرب، وأشجع من ربيعة بن مكدّم، ولست بواصل إليها حتى تسكر وتغلب على عقلها، فإذا بلغت تلك الحال ففيها مطمع. قلت: ما أهون هذا وأسهله! قالت الجارية: وتركت شيئا آخر! قالت: نعم واللَّه، أعلم أنك لن تصل إليها حتى تتجرد لها، وتراك مجرّدا مقبلا ومدبرا. قلت: وهذا أيضا أفعله! قالت: هلمّ دينارك! فأخرجت دينارا فنبذته إليها؛ فصفقت صفقة أخرى، فأجابتها امرأة؛