قد كتمت الهوى بمبلغ جهدي ... ففشا منه بعض ما كنت أبدي
وخلعت العذار فليعلم النا ... س بأني إليك أصفي بودّي «١»
من عذيري من مقلتيك ومن إش ... راق وجه من حول حمرة خدّ
فصادف رسوله رسولا لمحمد بن عبد الملك الزيات الوزير، فرأى رقعة الحسن، فاحتال لها حتى أخذها، وأوصلها إلى محمد بن عبد الملك، فلما قرأها كتب إلى كاتبه الحسن بن وهب:
ليت شعري عن ليت شعرك هذا ... أبهزل تقوله أم بجدّ؟
فلئن كان ما تقول بجدّ ... يا ابن وهب لقد تفتّيت بعدي «٢»
وتشبّهت بي وكنت أرى ... أنّي أنا الهائم المتيّم وحدي
لا أرى القصد في الأمور، ولولا ... غمرات الصبا لأبصرت قصدي
سيّدي سيدي، ومولاي من أل ... بسني ذلّة وأخلف وعدي
لا أحبّ الذي يلوم وإن كا ... ن حريصا على صلاحي ورشدي
وأحب الأخ المشارك في الحبّ ... وإن لم يكن به مثل وجدي «٣»
كصديقي أبى عليّ وحاشا ... لصديقي من مثل شقوة جدّي
إنّ مولاي عبد عبدي ولولا ... شؤم جدّي لكان مولاي عبدي
فلما التقى ابن الزيات الوزير وكاتبه الحسن بن وهب في بيت الديوان، تداعبا في ذلك، وسأله ابن الزيات أن يتجافى له عنه، فقال له الحسن: طاعتك واجبة في المحبوب والمكروه، ولكن الرئيس أدام اللَّه عزه كان أولى بالفضل! فقال له ابن الزيات: هيهات، هذه علة نفسانية تؤدي إلى التلف، فتنحّ عن نصيبك مني! فقال الحسن: إن كان هذا هكذا سمعنا وأطعنا، وأنشد:
شهيدي على ما في فؤادي من الهوى ... دموع تباري المستهلّ من القطر
فأسلمني من كان بالأمس مسعدي ... وصار الهوى عونا عليّ مع الدّهر