للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يغلق رهنه ولا تخفر ذمته، وإن أحدهم ليبلغه أن رجلا استجار به، وعسى أن يكون نائيا عن داره، فيصاب، فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما خفر من جواره؛ وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة، فتكون أنفسهم دون نفسه، وأموالهم دون ماله.

وأما قولك أيها الملك: يئدون أولادهم، فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج.

أما قولك: إنّ أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها، فما تركوا ما دونها إلا احتقارا له، فعمدوا إلى أجلّها وأفضلها، فكانت مراكبهم وطعامهم مع أنها أكثر البهائم شحوما، وأطيبها لحوما، وأرقّها ألبانا، وأقلها غائلة، وأحلاها مضغة، وإنه لا شيء من الّلحمان يعالج ما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه.

وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا، وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم؛ فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا وتخوّفت نهوض عدوها إليها بالزحف، وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم، فيلقون إليهم أمورهم، وينقادون لهم بأزمّتهم: وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم، حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين، مع أنفتهم من أداء الخراج والوطف «١» بالعسف.

وأما اليمن التي وصفها الملك فإنما أتى جدّ الملك وليّها الذي أتاه عند غلبة الحبش له على ملك متّسق؛ وأمر مجتمع؛ فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا، وقد تقاصر عن إيوائه، وصغر في عينه ما شيّد من بنائه. ولولا ما وتر «٢» به من يليه من العرب لمال إلى مجال، ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار من غلبة العبيد الأشرار.

قال: فعجب كسرى لما أجابه النعمان به؛ وقال: إنك لأهل لموضعك من الرياسة