أحضرته بابك ليسهل عليه إذنك، وتعرف له ما عرّفتك. فقال: أذكرتنا رحما قريبة وحقا واجبا، يا غلام، إيذن لإبراهيم بن محمد بن طلحة. فلما دخل عليه أدناه عبد الملك حتى أجلسه على فراشه، ثم قال له: يا بن طلحة، إنّ أبا محمد ذكّرنا ما لم نزل نعرفك به في الفضل والأدب والمروءة وحسن المذهب، مع قرابة الرحم ووجوب الحق وعظم قدر الأبوة، وما بلاه منك في الطاعة والنصيحة وحسن الموازرة، فلا تدعنّ حاجة في خاصة نفسك وعامّتك إلا ذكرتها. فقال: يا أمير المؤمنين، إن أول الحوائج، وأحقّ ما قدّم بين يدي الأمور، ما كان لله فيه رضا، ولحق نبيه صلّى الله عليه وسلّم أداء، ولك فيه ولجماعة المسلمين نصيحة، وعندي نصيحة لا أجد بداّ من ذكرها، ولا أقدر على ذلك إلا وأنا خال، فأخلني يا أمير المؤمنين ترد عليك نصيحتي. قال:
دون أبي محمد؟ قال: نعم، دون أبي محمد؟ قال عبد الملك للحجاج: قم. فلما خطرف «١» السّتر أقبل عليّ فقال: يا بن طلحة، قل نصيحتك. فقال: تالله يا أمير المؤمنين، لقد عمدت إلى الحجاج في تغطرسه وتعجرفه وبعده من الحق وقربه من الباطل، فوليته الحرمين، وهما ما هما، وبهما ما بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي الأخيار، يطؤهم بطغام «٢» أهل الشام، ورعاع لا روية لهم في إقامة حق ولا في إزاحة باطل، ويسومهم الخسف، ويحكم فيهم بغير السّنة بعد الذي كان من سفك دمائهم، وما انتهك من حرمهم؛ ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله زاهق، وفيما بينك وبين نبيك غدا إذا جاثاك «٣» للخصومة بين يدي الله في أمته. أما والله لا تنجو هنالك إلا بحجة. فاربع «٤» على نفسك أودع. فقال له عبد الملك: كذبت ومنت «٥» وظنّ بك الحجاج ما لم يجده فيك؛ وقد يظنّ الخير بغير أهله؛ قم فأنت الكاذب المائن. قال:
فقمت وما أعرف طريقا. فلما خطرفت الستر لحقني لاحق فقال: احبسوا هذا، وقال للحجاج: ادخل. فدخل، فمكث مليّا من النهار لا أشك أنهما في أمري، ثم خرج