وصدّقت بالفعل المقال مع الذي ... أتيت فأمسى راضيا كلّ مسلم
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه ... من الأود الباقي ثقاف المقوّم «١»
وقد لبست لبس الهلوك ثيابها ... تراءى لك الدنيا بكفّ ومعصم «٢»
وتومض أحيانا بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظّم
فأعرضت عنها مشمئزا كأنّما ... سقتك مدوفا من سمام وعلقم «٣»
وقد كنت من أجبالها في ممنّع ... ومن بحرها في مزيد الموج مفعم
وما زلت تواقا إلى كلّ غاية ... بلغت بها أعلى البناء المقوّم
فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن ... لطالب دنيا بعده من تقدّم
تركت الذي يفنى وإن كان مونقا ... وآثرت ما يبقى برأي مصمّم
وأضررت بالفاني وشمّرت للذي ... أمامك في يوم من الشرّ مظلم
ومالك إذا كنت الخليفة مانع ... سوى الله من مال رغيب ولادم
سما لك همّ في الفؤاد مؤرّق ... بلغت به أعلى المعالي بسلّم
فما بين شرق الأرض والغرب كلّها ... مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول أمير المؤمنين ظلمتني ... بأخذ لدينار ولا أخذ درهم
ولا بسط كفّ لامريء غير مجرم ... ولا السّفك منه ظالما ملء محجم
ولو يستطيع المسلمون لقسّموا ... لك الشّطر من أعمارهم غير ندّم
فأربح بها من صفقة لمبايع ... وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم
قال: فأقبل عليّ وقال: إنك مسئول عما قلت. ثم تقدّم الأحوص فاستأذنه في الإنشاد، فقال: قل، ولا تقل إلا حقّا. فقال:
وما الشّعر إلا حكمة من مؤلّف ... بمنطق حقّ أو بمنطق باطل
فلا تقبلن إلّا الذي وافق الرّضا ... ولا ترجعنّا ءالنّساء الأرامل
رأيناك لم تعدل عن الحقّ ممنة ... ولا شأمة فعل الظّلوم المخاتل «٤»