فلما دخلت على معاوية قال: مرحبا وأهلا، قدمت خير مقدم قدمه وافد! كيف حالك؟
قالت: بخير يا أمير المؤمنين، أدام الله لك النعمة.
قال: كيف كنت في مسيرك؟ قالت: ربيبة بيت أو طفلا ممهدا.
قال: بذلك أمرناهم، أتدرين فيم بعثت إليك؟ قالت: أنى لي بعلم ما لم أعلم. قال:
ألست الراكبة الجمل الأحمر، والواقفة بين الصفّين يوم صفين تحضّين على القتال وتوقدين الحرب؟ فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، مات الرأس، وبتر الذنب، ولم يعد ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
قال لها معاوية: صدقت، أتحفظين كلامك يومئذ؟
قالت: لا والله لا أحفظه، ولقد أنسيته.
قال: لكني أحفظه، لله أبوك حين تقولين: أيها الناس، ارعووا وارجعوا، إنكم قد أصبحتم في فتنة غشّتكم «١» جلابيب الظّلم، وجارت بكم عن قصد المحجّة، فيالها فتنة عمياء، صمّاء بكماء، لا تسمع لناعقها، ولا تنساق لقائدها، إن المصباح لا يضيء في الشمس، ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه. أيها الناس، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأن قد اندمل شعب الشّتات «٢» ، والتأمت كلمة العدل، ودمغ الحقّ باطله؛ فلا يجهلنّ أحد فيقول: كيف العدل وأنّى؟ ليقض الله أمرا كان مفعولا. ألا وإنّ خضاب النساء الحنّاء، وخضاب الرجال الدماء، ولهذا اليوم ما بعده: