وقالوا: إذا زادك الملك إكراما فزده إعظاما، وإذا جعلك عبدا فاجعله ربّا ولا تديمن النظر إليه، ولا تكثر من الدعاء له في كلّ كلمة ولا تتغيّر له إذا سخط ولا تغترّ به إذا رضي، ولا تلحف في مسألته.
وقالوا: الملوك لا تسأل ولا تشمّت، ولا تكيّف.
وقال الشاعر:
إن الملوك لا يخاطبونا ... ولا إذا ملّوا يعاتبونا
وفي المقال لا تنازعونا ... وفي العطاس لا يشمّتونا
وفي الخطاب لا يكيّفونا ... يثنى عليهم ويبجّلونا
فافهم وصاتي لا تكن مجنونا
وقالوا: من تمام خدمة الملوك أن يقرّب الخادم إليه نعليه، ولا يدعه يمشي إليهما، ويجعل النعل اليمنى قبالة الرجل اليمنى، واليسرى قبالة الرجل اليسرى؛ وإذا رأى متكأ يحتاج إلى إصلاح أصلحه، ولا ينتظر فيه أمره، ويتفقد الدواة قبل أن يأمره، وينفض عنها الغبار إذا قرّبها إليه، وإن رأى بين يديه قرطاسا قد تباعد عنه قرّبه إليه ووضعه بين يديه على كسره.
وقال أصحاب معاوية لمعاوية: إنا ربما جلسنا عندك فوق مقدار شهوتك، فأنت تكره أن تستخفّنا فتأمرنا بالقيام، ونحن نكره أن نثقل عليك في الجلوس، فلو جعلت لنا علامة نعرف بها ذلك؟ فقال: علامة ذلك أن أقول: إذا شئتم.
وقيل مثل ذلك ليزيد بن معاوية، فقال: إذا قلت: على بركة الله.
وقيل مثل ذلك لعبد الملك بن مروان، فقال: إذا وضعت الخيزرانة.
وما سمعت بألطف معنى، ولا أكمل أدبا، ولا أحسن مذهبا في مساءلة الملوك من شبيب بن شيبة وقوله لأبي جعفر: أصلحك الله، إني أحب المعرفة وأجلك عن السؤال. فقال له: فلان بن فلان.