وقال مالك بن أسماء بن خارجة لجاريته: قومي اخضبي رأسي ولحيتي. فقالت:
دعني، قد عييت مما أرقّعك. فقال مالك بن أسماء.
عيّرتني خلقا أبليت جدته ... وهل رأيت جديدا لم يعد خلقا
ودخل أبو الأسود الدؤلي على معاوية وقد خضب؛ فقال: لقد أصبحت يا أبا الأسود جميلا؛ فلو علّقت تميمة «١» . فأنشأ أبو الأسود يقول:
أفنى الشباب الذي فارقت بهجته ... مرّ الجديدين من آت ومنطلق
لم يبقيا لي من طول اختلافهما ... شيئا يخاف عليه لذعة الحدق
وذكر عن الأصمعي قال: بلغني عن بعض العرب فصاحة، فأتيته فوجدته يخضب، فقال: يا بن أخي، ما الذي أقصدك إليّ؟ قلت: الاستئناس بك والاستماع من حديثك. قال: يا بن أخي، قصدتني وأنا أخضب، والخضاب من مقدّمات الضعف، ولطالما فزّعت الوحوش، وقدت الجيوش، ورويت السيف، وقريت الضيف، وحميت الجار، وأبيت العار، وشربت الراح، وجالست الملاح، وعاديت القروم، وعلوت الخصوم؛ واليوم يا بن أخي الكبر وضعف البصر تركا من بعد الصّفو الكدر. وأنشأ يقول:
شيب نعلّله كيما نسرّ به ... كهيئة الثوب مطويّا على خرق
فكنت كالغصن يرتاح الفؤاد به ... فصرت عودا بلا ماء ولا ورق
صبرا على الدهر إن الدهر ذو غير ... وأهله منه بين الصفو والرّنق «٢»
ودخل معاوية على ابن جعفر يعوده؛ فوجده مفيقا وعنده جارية في حجرها عود؛ فقال: ما هذا يا بن جعفر؟ فقال: هذه جارية أروّيها رقيق الشّعر فتزيده حسنا بحسن نغمتها. قال: فلتقل. فحركت عودها وغنت! وكان معاوية قد خضب.