وأفلتهنّ علباء جريضا «١» ... ولو أدركنه صفر الوطاب
وقاهم جدّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
ومثل هذا كثير في القديم والحديث، ولا أدري كيف أغفل القديم منه الأصمعي.
فمنه قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وفي هذا مثلان من أشرف الأمثال. ويقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمع هذا البيت، فقال: «إن معناه من كلام النبوّة» ؛ ومن ذلك قول الآخر:
ما كلّف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد
ومن ذلك قول الحسن بن هانيء:
أيها المنتاب عن عقره ... لست من ليلي ولا سمره
لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المرّ من ثمره
إن العرب تقول: انتاب فلان عن عقره: أي تباعد عن أصله. لست من ليلي ولا سمره: مثل ثان، وليس في البيت الثاني إلا مثل واحد.
ومن قولنا في بيت أوّله مثل وآخره مثل:
قد صرّح الأعداء بالبين ... وأشرق الصبح لذي العين
وبعده أبيات في كل بيت منها مثل، وذلك قولنا:
وعاد من أهواه بعد القلى ... شقيق روح بين جسمين «٢»
وأصبح الداخل في بيننا ... كساقط بين فراشين
قد ألبس البغضاء من ذا وذا ... لا يصلح الغمد لسيفين