ثم مواعظ الأنبياء صلوات الله عليهم، ثم مواعظ الآباء للأبناء، ثم مواعظ الحكماء والأدباء، ثم مقامات العبّاد بين أيدي الخلفاء، ثم قولهم في الزهد ورجاله المعروفين به، ثم المشهورين من المنتسبين إليه.
والموعظة ثقيلة على السمع محرّجة «٢» على النفس، بعيدة من القبول، لاعتراضها الشهوة، ومضادّتها الهوى، الذي هو ربيع القلب، ومراد الروح، ومربع اللهو، ومسرح الأماني؛ إلا من وعظه علمه، وأرشده قلبه؛ وأحكمته تجربته قال الشاعر:
لن ترجع الأنفس عن غيّها ... حتى يرى منها لها واعظ
وقالت الحكماء: السعيد من وعظ بغيره. لا يعنون من وعظه غيره، ولكن من رأى العبر في غيره فاتعظ بها في نفسه. ولذلك كان يقول الحسن: اقدعوا هذه النفوس فإنها طلعة «٣» ، وحادثوها بالذّكر «٤» فإنها سريعة الدثور، واعصوها فإنها إن أطيعت نزعت إلى شرّ غاية.
وكان يقول عند انقضاء مجلسه وختم موعظته: يا لها من موعظة لو صادفت من القلوب حياة.
لابن السماك:
وكان ابن السماك يقول إذا فرغ من كلامه: ألسن تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف.
وقال يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا. يريد ثقل الموعظة على السمع،