للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل

فنظر إليها وقال: ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثم أغمى عليه فقالت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر

قالت: فنظر إليّ كالغضبان وقال لي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ

«١» . ثم قال: انظروا ملاءتيّ فاغسلوهما وكفّنوني فيهما؛ فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت.

وقال معاوية حين حضرته الوفاة:

ألا ليتني لم أغن في الملك ساعة ... ولم أك في الّلذّات أعشى النّواظر «٢»

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة ... ليالي حتى زار ضنك المقابر «٣»

لما ثقل معاوية ويزيد غائب، أقبل يزيد فوجد عثمان بن محمد بن سفيان جالسا، فأخذ بيده ودخل على معاوية وهو يجود بنفسه، فكلمه يزيد فلم يكلمه، فبكى يزيد، وتضوّر «٤» معاوية ساعة، ثم قال: أي بني، إن أعظم ما أخاف الله فيه ما كنت أصنع بك يا بنيّ. إني خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكان إذا مضى لحاجته وتوضأ أصب الماء على يديه، فنظر إلى قميص لي قد انخرق من عاتقي، فقال لي: يا معاوية، ألا أكسوك قميصا؟ قلت: بلى. فكساني قميصا لم ألبسه إلا لبسة واحدة، وهو عندي.

واجتزّ ذات يوم فأخذت جزازة شعره، وقلامة أظفاره، فجعلت ذلك في قارورة، فإذا مت يا بني فاغسلني ثم اجعل ذلك الشعر والأظفار في عيني ومنخري وفمي، ثم اجعل قميص رسول الله صلّى الله عليه وسلم شعارا من تحت كفني. إن نفع شي نفع هذا.

لما احتضر عمرو بن العاص، جمع بنيه فقال: يا بنيّ، ما تغنون عني من أمر الله شيئا! قالوا: يا أبت، إنه الموت، ولو كان غيره لوقيناك بأنفسنا. فقال: أسندوني.