«١» والموت سبيل الماضين والغابرين، «٢» ومورد الخلائق أجمعين، وفي أنبياء الله وسالف أوليائه أفضل العبرة، وأحسن الأسوة، فهل أحد منهم إلا وقد أخذ من فجائع الدنيا بأجزل الإعطاء، ومن الصبر عليها باحتساب الأجر فيها بأوفر الأنصباء.
فجع نبيّنا عليه الصلاة والسلام بابنه إبراهيم، وكان ذخر الإيمان، وقرة عين الإسلام، وعقب الطهارة، وسليل الوحي، ونتيج الرحمة، وحضين الملائكة، وبقية آل إبراهيم واسمعيل صلوات الله عليهم أجمعين، وعلى عامة الأنبياء والمرسلين فعمت الثقلين مصيبته، وخصت الملائكة رزيّته. ورضي صلّى الله عليه وسلم من فراقه بثواب الله بدلا، ومن فقدانه بموعوده عوضا؛ فشكر قضاه واتبع رضاه؛ فقال:«يحزن القلب، وتدمع العين، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون!» .
وإذا تأمل ذو النظر ما هو مشف عليه من غير الدنيا، وانتصح نفسه وفكره في غيرها بتنقل الأحوال، وتقارب الآجال، وانقطاع يسير هذه المدة ذلت الدنيا عنده، وهانت المصائب عليه، وتسهلت الفجائع لديه، فأخذ للأمر أهبته، واستعد للموت عدته؛ ومن صحب الدنيا بحسن الروية، ولاحظها بعين الحقيقة، كان على بصيرة من وشك زوالها.
قال النبي صلّى الله عليه وسلم:«اذكروا الموت فإنه هادم اللذات ومنغّص الشهوات. وليس شيء مما اقتصصت إلا وقد جعلك الله مقدما في العلم به؛ ولعمري إن الخطب فيما أصبت به لعظيم، غير أن معوّضه من الأجر والمثوبة عليه بحسن الصبر، يهوّنان الرزية وإن ثقلت، ويسهلان الخطب وإن عظم؛ فوهب الله لك من عصمة الصبر ما يكمل لك به زلفى «٣» الفائزين، وقربة الشاكرين، وجعلك من المرضيين قولا وفعلا، الذين أعطاهم الحسنى، ووفقهم للصبر والتقوى» .