للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيهِ صاعٌ، وإنَّما الخلافُ في الحِنْطَةِ؛ فإنه أَخْرجَ ابنُ خزيمةَ عنْ سفيانَ، عن ابن عمرَ أنهُ لما كانَ معاويةُ عدلَ الناسُ نصفَ صَاعٍ بُرٍّ بصاعِ شعير، وذلكَ أنهُ لم يأتِ نصٌّ في الحنطةِ أنهُ يخرجُ فيها صاعٌ، والقولُ بأنَّ أبا سعيدٍ أرادَ بالطعامِ الحنطةَ في حديثهِ هذا غيرُ صحيحٍ كما حققَهُ المصنفُ في فتحِ الباري (١)، قالَ ابنُ المنذرِ (٢): لا نعلمُ في القَمحِ خبرًا ثانيًا يعتمدُ عليه عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولمْ يكنِ البُرُّ في المدينةِ ذلكَ الوقتَ إلَّا الشيءَ اليسيرَ منهُ، فلمَّا كثرُ في زمنِ الصحابةِ رأوْا أن نصفَ صاعٍ منهُ يقومُ مقامَ صاعٍ منْ شعيرٍ، وهمْ الأئمةُ فغيرُ جائزٍ أنْ يعدلَ عنْ قولِهم إلَّا إلى قَوْلِ مثلِهم، ولا يخْفَى أنهُ قدْ خالفَ أبو سعيدٍ كما يفيدُه قولُه: قال الراوي: (قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزالُ أخرجُه) أي: الصاعَ (كما كنتُ أخرجُ في [زمان] (٣) رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. ولأبي داودَ) عنْ أبي سعيدٍ: (لا أخرِجُ أبدًا إلا صاعًا) أي: منْ أي قوتٍ. أخرجَ ابنُ خزيمةَ (٤)، والحاكمُ (٥): "قالَ أبو سعيدٍ؛ وقدْ ذكرَ عنده صدقةُ رمضانَ فقال: لا أخرجُ إلّا ما كنتُ أخرِجُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صاعًا منْ تمرٍ، أوْ صاعًا منْ حنطةٍ، أو صاعًا مِنْ شعيرٍ، أو صاعًا منْ أَقِطٍ، فقالَ لهُ رجلٌ منَ القومِ: أو مُدَّينِ منْ قمحٍ، قالَ: لا تلكَ فعلُ معاويةُ لا أقبلُها ولا أعملُ بها"، لكنهُ قالَ ابنُ خزيمةَ (٦): ذِكْرُ الحنطةِ في خبرِ أبي سعيدِ غيرُ محفوظٍ، ولا أدري ممَّن الوهمُ، وقالَ النوويُّ (٧): تمسَّكَ بقولِ معاويةَ مَنْ قالَ بالمدَّينِ منَ الحنطةِ وفيهِ نظرٌ، لأنهُ فعلُ صحابيٍّ. وقدْ خالفَه فيهِ أبو سعيدٍ وغيرُه منَ الصحابةِ ممنْ هوَ أطولُ صحبةً منهُ، وأعلمُ بحالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ وقدْ صرَّحَ معاويةُ بأنهُ رأيٌ رآهُ لا أنهُ سمعهُ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجَهُ البيهقيُّ في السننِ (٨) منْ حديثِ أبي سعيدٍ: "أنهُ قَدِمَ معاويةُ حاجًا أوْ معتمرًا، فكلَّمَ الناسَ على المنبرِ، فكانَ فيما كلَّمَ بهِ الناسَ أنهُ قالَ: إني أرى مدَّينِ منْ سمراءِ الشامِ تعدلُ صاعًا منْ


(١) (٣/ ٣٧٣ - ٣٧٤).
(٢) ذكره ابن حجر في "الفتح" (٣/ ٣٧٤).
(٣) في (أ): "زمن".
(٤) في "صحيحه" (٤/ ٨٩ - ٩٠ رقم ٢٤١٩) بإسناد حسن. لكن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ كما قاله ابن خزيمة.
(٥) في "المستدرك (١/ ٤١١).
(٦) في "صحيحه" (٤/ ٩٠).
(٧) في شرحه لصحيح مسلم" (٧/ ٦١).
(٨) (٤/ ١٦٥).