للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اشتراطهِ في سائرِ الأقاريرِ كالقتلِ والسرقةِ، وبأنهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لأُنَيْسٍ: "فإنِ اعترفتْ فارجمْها" (١)، ولم يذكرْ تكرارَ الاعترافِ، ولو كانَ شَرْطًا معتَبَرًا لَذَكَرهُ - صلى الله عليه وسلم - لأنهُ في مقامِ البيانِ ولا يؤخِّرُ عنْ وقتِ الحاجةِ.

وذهبَ الجماهيرُ إلى [اشتراط التكرار بالإقرار] (٢) بالزِّنَى أربعَ مراتٍ مستدلينَ بحديثِ ماعزٍ (٣) هذَا. وأُجِيْبَ عليهم بأنَّ حديثَ ماعزٍ اضطربتْ الرواياتُ في عددِ الإقراراتِ، فجاءَ هنا أربعُ مراتٍ ومثلُه في حديثِ جابرٍ بنِ سَمُرَةَ عندَ مسلمٍ (٤) ووقعَ في [طريقه] (٥) أُخْرَى عندَ مسلمٍ أيضًا مرتينِ أوْ ثلاثًا (٦)، ووقعَ في حديثٍ عندَه أيضًا من طريقٍ أُخْرَى فاعترفَ بالزِّنَى ثلاثَ مراتٍ.

وقولُه - صلى الله عليه وسلم - في بعضِ الرواياتِ: "قدْ شهدتَ على نفسِكَ أربعَ مراتٍ"، حكايةٌ لما وقعَ منهُ. فالمفهومُ غيرُ معتبرَ، وما كانَ ذلكَ إلَّا زيادةً في الاستثباتِ والتبيُّنِ، ولِذلكَ سألَ - صلى الله عليه وسلم - هلْ به جنونٌ، وأَمَرَ مَنْ يشمُّ رائحتَه أو هو شارب خمر وجعلَ يستفسرُه عنِ الزِّنى كما سيأتي بألفاظٍ عديدةٍ، كلُّ ذلكَ لأَجْلِ الشبهةِ التي عرضتْ في أمرِه، ولأنَّها قالتِ الجُهَنِيَّةُ (٧): أتريدُ أنْ تردَّني كما ردَدْتَ ماعِزًا؟ فَعُلِمَ أنَّ الترديدَ ليسَ بشرطٍ في الإقرارِ.

وبعدُ فلوْ سلَّمْنَا أنهُ لا اضطرابَ وأنهُ أقرَّ أربعَ مراتٍ فهذَا فعلٌ منهُ منْ غيرِ أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - ولا طَلَبِه لتكرارِ إقرارهِ بلْ فعلَه منْ تلقاءِ نفسهِ وتقريرُهُ عليهِ دليلٌ على جوازِه لا شرْطِيَّتِهِ. واستدلَّ الجمهورُ (٨) بالقياسِ علَى أنهُ قدِ اعتُبِرَ في الشهادةِ على الزِّنى أربعةٌ وَرُدَّ بأنهُ استدلالٌ واضحُ البُطْلانِ لأنهُ قدِ اعتُبِرَ في المالِ عدلانِ والإقرارُ بهِ يكفي مرةً واحدةً اتفاقًا.

المسألةُ الثانيةُ: دلَّتْ ألفاظُ الحديثِ على أنهُ يجبُ على الإمام الاستفصالُ عنِ الأمورِ التي يجبُ معَها الحدُّ، فإنهُ رُوِيَ في هذَا الحديثِ ألفاظٌ كثيرةٌ دالةٌ [عليها] (٩).


(١) انظر تخريج حديث (١/ ١١٣٠) المتقدم.
(٢) في (ب): "أنه يشترط في الإقرار".
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٦٨٢٤)، ومسلم (١٩/ ١٦٩٣)، من حديث ابن عباس، وانظر الحديث رقم (٣/ ١١٣٢) المتقدم.
(٤) مسلم (١٨/ ١٦٩٢).
(٥) في (ب): "طريق".
(٦) مسلم: (١٧/ ١٦٩٢) و (٢٠/ ١٦٩٤).
(٧) مسلم (٢٤/ ١٦٩٦)، والترمذي (١٤٣٥)، وأبو داود (٤٤٤٠)، والنسائي (١٩٥٧).
(٨) "الدراري المضيئة" للشوكاني (٢/ ٣٥٠) بتحقيقنا.
(٩) في (ب): "عليه".