للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالَ ابنُ تيميةَ في شرحِ العمدةِ بعدَ سردِه لما وَرَدَ في ذلكَ: فهذهِ الأحاديثُ مسندَةٌ منْ طرقٍ حِسَانٍ، ومرسلةٌ وموقوفةٌ تدلُّ على أن مناطَ الوجوبِ الزادُ والراحلةُ معَ علمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن كثيرًا منَ الناس يقدرونَ على المشي، وأيضًا فإنَّ الله تعالى قال في الحجِّ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (١)، إمَّا أنْ يعني القدرةَ المعتبرَةَ في جميعِ العباداتِ وهو مطلقُ المُكْنةِ، أوْ قَدْرًا زائدًا على ذلكَ، فإنْ كانَ المعتبرُ هوَ الأولُ لم يحتجْ إلى هذا التقييدِ كما لم يحتجْ إليه في آيةِ الصومِ والصلاةِ، فَعُلِمَ أن المعتبرَ قدرٌ زائدٌ في ذلك، وليسَ هوَ إلَّا المالُ. وأيضًا فإن الحجَّ عبادةٌ تفتقر إلى مسافةٍ فافتقرَ وجوبُها إلى ملكِ الزادِ والراحلةِ كالجهادِ، ودليلُ الأصلِ قولُه تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} (٢) [إلى قوله] (٣): {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} (٤) الآية انتهَى. وذهبَ ابنُ الزبيرِ وجماعةٌ منَ التابعينَ إلى أن الاستطاعةَ هي الصحةُ لا غيرُ، لقولِه تعالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (٥) فإنهُ فسَّرَ الزادَ بالتقْوى. وأُجيبَ بأنهُ غيرُ مرادٍ منَ الآيةِ كما يدلُّ له سببُ نزولها. وحديثُ البابِ يدلُّ أنَّهُ أريدَ بالزادِ الحقيقةُ وهوَ وإن ضَعُفَتْ طُرُقُهُ فكثْرتُها تشدُّ ضعفَه، والمرادُ به كفايةٌ فاضلةٌ عنْ كفايةِ [مَنْ يعولُ] (٦) حتَّى يعودَ لقولِه - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بالمرءِ إثْمًا أنْ يضيِّعَ مَنْ يعولُ"، أخرجهُ أبو داودَ (٧). ويجزئُ الحجُّ وإنْ كانَ المالُ حرامًا ويأثمُ عندَ الأكثرِ. وقالَ أحمدُ: لا يجزئُ.

حجُّ الصبي

٦/ ٦٧٠ - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: "مَنِ القَوْمُ؟ "، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَقالَ: "رَسُولُ الله"، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٨). [صحيح]


(١) سورة آل عمران: الآية ٩٧.
(٢) سورة التوبة: الآية ٩١.
(٣) زيادة من (ب).
(٤) سورة التوبة: الآية ٩٢.
(٥) سورة البقرة: الآية ١٩٧.
(٦) في النسخة (أ): "العول".
(٧) في "السنن" (١٦٩٢) وهو حديث حسن.
(٨) في "صحيحه" (١٣٣٦).
قلت: وأخرجه أبو داود (١٧٣٦)، والنسائي (٥/ ١٢٠)، والبيهقي (٥/ ١٥٥)، ومالك=